
………….الفصل الرابع
البلوغ بداية الوعي
از زز
كانت جوانا مفعمة بالسعادة الغامرة بسبب تكليف معلمتها لها بكتابة موضوع (البلوغ عند الفتيات) وفي أعماقها مزيج من الحماس والبهجة الممزوج بقليل من التوتر والذي سرعان ما يتلاشى، لتشعر بأنها أمام فرصة رائعة للتعبير عن مشاعرها وأفكارها .
لقد اختارتها معلمتها من بين جميع الطالبات؛ لأنها قريبة منهن وتحظى بمحبتهن، وواثقة من قدرتها على إيصال رسالتها بطريقة واضحة ومؤثرة للفتيات والأمهات .
لذلك طلبت منها المشاركة في الحفل المدرسي الذي ستحضره أمهات وشخصيات مهمة في التعليم .
مضت أيام الأسبوع سريعاً، وجوانا تعمل بجد ونشاط لإنهاء موضوعها، وفي صباح يوم الحفل المدرسي، والذي كان مفعمًا بالنشاط والعمل، استيقظت جوانا باكراً، وهي تحلم بهذا اليوم الذي انتظرته منذ أسبوع .
ورغم سهرها طوال الليل مع والدتها التي ساعدتها في إنهاء الموضوع، إلا أن حماسها كان يغمرها، وأرَّق نومها .
وكعادتها، وقفت للحظات أمام نافذتها تستنشق الهواء النقي، وهي تشعر بأن الطبيعة تحتضنها؛ لتخفف من توترها .
فقررت بسرعة أن تبدأ يومها بنشاط، ارتدت ملابسها، ورتبت شعرها بشكل جميل استعدادًا للحفل .
وعند خروجها من المنزل وجدت والدتها بانتظارها، وأخبرتها أنها ستبذل جهدها للحضور إلى الحفل المدرسي إن شعرت بتحسن، ورغم أن جوانا كانت تتمنى ذلك بشدة، إلا أنها لم ترغب في الإلحاح عليها، خوفًا على صحتها .

ذهبت جوانا إلى مدرستها تحمل في داخلها الكثير لتحقيقه، وهى تشعر بالحماس والقلق في آنٍ واحد .
بدأت المعلمات والطالبات المشاركات في تنظيم الحفل بالاستعداد لاستقبال الضيوف .
كان الجو مليئًا بالنشاط والحيوية، وجوانا تراقب بعيون متلهفة، تتمنى أن يكون هذا الحفل حدثًا لا يُنسى .
الجميع يعمل بهمة عالية كأنهم خلية نحل لا تهدأ، ومع مرور الوقت، ازداد توتر جوانا وهى تشرف على تفاصيل كل ما يحدث حولها من ترتيب وتجهيز ولأنها المرة الأولى التي ستقف أمام هذا العدد الكبير من الضيوف والأمهات زاد ذلك من قلقها، وتمنت حضور والدتها إلى الحفل .
بدأ الضيوف يتوافدون تدريجياً إلى صالة الاحتفال والتي سرعان ما امتلأت بالحضور، كانت جوانا تقف بجوار صديقاتها، تراقب باهتمام كل من يدخل إلى المكان .
وعندما لمحت دخول والدتها إلى صالة الحفل وعلى محياها ابتسامة دافئة، حينها شعرت بأن كل قلقها قد تبدد، وأنها أصبحت مستعدة لمواجهة أي شيء طالما أن والدتها بجانبها .
جوانا تكِّن لوالدتها حبًا عميقًا، وتقدّر تضحياتها، وتراها مصدر الأمان والدعم، والشخص الذي يساندها في كل خطوة، وهي القوة الدافعة وراء نجاحها وتفوقها؛ لذلك تسعى دائماً لإسعادها وإثبات جدارتها بما تفعله .
جوانا : “أمي، حضورك يعني لي الكثير، لقد كنتُ قلقة طوال اليوم، والآن أشعر براحة كبيرة .
الأم : لا شيء يُسعدني أكثر من رؤية فرحتكِ ونجاحكِ، يا عزيزتي .
أعلم أهمية هذا اليوم لكِ، لذلك لن يمنعني مرضي من الحضور .
“لقد كانت سعادة جوانا بحضور والدتها لا توصف، حضورها بمثابة رسالة لها أنها ليست وحدها” بدأت مراسم الحفل، وتقدمت كل طالبة بحسب دورها في تقديم فقرتها، وقبل أن يحين وقت وقوف جوانا على منصة المسرح بلحظات همست استاذة نورا لجوانا
جوانا، أنا أثق بك! قدّمي الموضوع بشكل طبيعي وصادق، نابع من داخلك؛ فهو يمس كل فتاة في عمرك، هل فهمتِ ؟
أومأت جوانا برأسها بنعم، وأخذت نفسًا عميقًا لتجديد قوتها، ثم رسمت على وجهها ابتسامة مريحة .
تقدمت جوانا إلى المنصة، وهي ترفع رأسها عالياً، مليئة بالحماس والجدية، كأنها تحمل على عاتقها أحلام وطموح كل فتاة .
تسارعت دقات قلبها بينما كان تصفيق الحضور يدوي في الأرجاء، وشعرت بشعاع من الطاقة الإيجابية تحيط بها، كأنها تلقت دعماً من الجميع .
جوانا : “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أسعد الله صباحكم ،،
بدأت بصوت هادئ : “أيها الحضور الكريم، معلماتنا العزيزات، أمهاتـنا الفاضلات، أهلاً بكن جميعاً في حفلنا الختامي، ويسرنا حضوركن ومشاركتكن، ازداد حفلنا تألقاً بوجودكن معنا”.
سأتحدث اليوم عن موضوع مهم لكل فتاة، تسير بخطى ثابتة نحو النضوج، بعيداً عن الحيرة والتشتت الفكري، فهذا مانحتاجه في هذه المرحلة الحساسة من حياتنا .
وهي مرحلة البلوغ ،،
أخذت جوانا نفساً عميقاً قبل أن تستمر في حديثها :
” البلوغ هو مرحلة طبيعية ومهمة في حياة كل فتاة، وهو بداية مرحلة جديدة من النمو الجسدي والنفسي، وهذه الفترة تُعَد جسرًا بين الطفولة والشباب، تبدأ فيها العديد من التغيرات التي قد تكون أحيانًا مربكة بالنسبة للكثير منّا .
فأول ما يجب أن نعلمه أن هذه التغيرات التي تحدث في أجسامنا، مثل ظهور الدورة الشهرية، وبروز الثدي، وزيادة النمو، أمر طبيعي جدًا، إنها جزء من التكوين الذي خلقنا الله عليه، وهي علامةٌ على الصحة والنضج .
كما أنه من المهم أن تدرك كل فتاة أن التغيرات النفسية، هي مشاعر جديدة عليها، فقد تشعر أحيانًا بالحيرة أو القلق أو حتى تقلبات في المزاج، وربما بعض التوتر، كل ذلك طبيعي ويحدث لمعظم الفتيات .
والبلوغ ليس مجرد تغيرات جسدية فقط، بل هو أيضًا بداية لنضوج فكري وعاطفي، وهو الوقت الذي لا بد أن نتعلم فيه كيف نتحمل مسؤولية أنفسنا وتصرفاتنا، ونتحلى فيه بالإحترام والتقدير لذواتنا وللآخرين .
لكن الأهم هو أن نفهم أن هذه المرحلة بكل ما فيها هي جزء من تطورنا، وهي فترة تعلّم وثقة .

لكن ،، ما يجعل هذه الفترة أسهل وأجمل هو دعمكن لنا
أمهاتنا العزيزات ،،
أنتن السند الذي نلجأ إليه لنفهم هذه التغيرات وما يمر به أجسادنا وعقولنا؛ لأنكن مصدر ثقتنا وأماننا الذي يساعدنا على تقبل هذه التغيرات باطمئنان ويعلمنا كيف نعتني بأنفسنا بطريقة سليمة وصحية، بعيداً عن الحيرة والتخبط، والخجل .
(تابعت جوانا حديثها بلهجة مؤثرة)
أمهاتنا الفاضلات، نريد منكن أموراً قد نخجل أن نخبركن بها، تعليمنا، وتوجيهنا، كيف نتعامل مع هذا التغيير بفهم ووضوح، على المستوى الجسدي والصحي والعقلي والروحي، نريد أن نعرف منكن كل ما يعيننا على فهمنا لهذا النضوج .
لذا، أود أن أقول لكل فتاة : لا تشعري بالخوف أو القلق، فالبلوغ جزء طبيعي من رحلة حياتكِ، وهي علامة على أنكِ تنضجين وتقتربين من مرحلة جديدة مليئة بالفرص والتحديات المثيرة، مليئة بالصحة والثقة والنجاح ولاسيما بوجود أسرة تسمعك وتنصت إليك بكل حب وأمان ،، في أغلب الأحيان .
وفي الختام، أود أن أشكر أمهاتنا العزيزات ومعلماتنا الفاضلات على الدعم المستمر، وأتمنى أن نمر جميعًا بهذه المرحلة بثقة وسلام .
شكرًا لكن على الاستماع، نحبكم .