
………….الفصل الخامس
خطواتي نحو التعافي
از زز
بعد انتهاء الحفل المدرسي، حققت جوانا نجاحًا لافتًا بموضوعها الذي تناول مراحل البلوغ عند الفتيات، حيث لامس حديثها قلوب الأمهات الحاضرات بعمق، وبفضل صدقها في إيصال رسالتها وتأثيرها الملحوظ، بادرت العديد من الأمهات إلى التواصل مع المعلمة نورا، معبرات عن رغبتهن في تعزيز علاقاتهن ببناتهن والعمل على تحسينها .
ومن بين الحضور، تواجدت كاتبة أدبية تدير منصة إلكترونية، أبدت إعجابها بجوانا وموهبتها، رأت في جوانا مشروع كاتبة واعدة وأعربت عن رغبتها في تبني موهبتها ودعمها، متوقعة أن تصبح واحدة من أبرز الكتَّاب المؤثرين، خاصة في مجال الكتابة الذي يخاطب الفتيات في مرحلة البلوغ، والإشارة إلى كل ما يتعرضن له في أثنائها .
توقعت الكاتبة أن انضمام جوانا للمنصة سيعيد روح الشباب والإبداع للكتابة، بفضل أسلوبها المميز وطرحها الجذاب .
لكن، رغم كل هذا النجاح، ظل القلق والخوف يرافقان جوانا، الخوف الذي ما يكون غالباً نتيجة تلك التغيرات الجسدية والنفسية والاجتماعية التي تواجهها الفتيات خلال مرحلة البلوغ، فقد يظهر هذا الخوف في صورة قلق دائم، أو تردد في اتخاذ القرارات، أو انعزال اجتماعي، أو سعي مفرط للكمال حتى لا يظهر ضعفهن، وهذا خطأ في تفكيرهن، في حين أن هذا الشعور طبيعي في هذه المرحلة، إلا أنه قد يتحول إلى قلق مفرط إذا ما غاب الدعم والفهم لتلك المرحلة من المحيطين .

المعلمة (بفخر): أحسنتِ يا جوانا! لقد كنتِ فخرًا للمدرسة، أثَّر حديثك في قلوب الأمهات، ونجحتِ في إعادة النظر في طريقة تعاملهن مع بناتهن، هذا إنجاز عظيم .
جوانا (بابتسامة تجمع بين الفرح والقلق): الحمد لله، ما تقولينه يسعدني كثيرًا، معلمتي .
المعلمة : لكن ردك يبدو مترددًا، جوانا لم أعهدك هكذا!! ما الذي يشغلك ؟
جوانا : لا تقلقي، أنا بخير، ربما التفكير في الامتحانات والتخرج هو ما يشغل بالي، أعتذر منك معلمتي، سأذهب الآن، إلى اللقاء .
تبدو جوانا للآخرين وكأنها تمتلك كل شيء، فتاة ناجحة، متفوقة في دراستها، محبوبة من أصدقائها، ولها مستقبل مشرق ينتظرها، ولكن خلف ابتسامتها الرقيقة والنجاح الذي تسعى إليه، يختبئ خوف مستمر يرافقها كظل لا يفارقها .
لا تعرف كيف تصفه، ولا تحب الحديث عنه، كأن شيئًا غامضًا في أعماقها يجعل قلبها ينبض بسرعة كلما اقتربت من تحقيق هدف جديد، كانت تشعر دائمًا بأن شيئًا سيئًا قد يحدث، وأن نجاحها قد يكون عابرًا سينتهي في أي لحظة .
وفي طريقها لبيتها كانت التساؤلات تراودها : لماذا لا أشعر بالفرح الكامل رغم نجاحاتي ؟ لماذا يلازمني هذا القلق المستمر؟
حاولت تجاهل تلك المشاعر، لكنها أدركت أن المواجهة أصبحت ضرورية، وبدأت تفهم أن الخوف الذي يلازمها ليس مجرد شعور عابر، بل هو نتيجة لتجربة مؤلمة عاشتها في طفولتها، وترك أثرًا عميقًا لم تستطع تجاوزه، لذلك قررت التحدث مع والدتها .
عادت جوانا إلى البيت، وقبل أن تدع التردد يسيطر عليها، اتجهت مباشرة نحو والدتها، والحضن الذي كان دومًا ملجأً لها .
جوانا (بصوت متردد): أمي … هناك أمر أريد البوح به … لقد ترددت في إخبارك بما يقلقني لوقت طويل .
الأم (بقلق): ما الأمر يا عزيزتي ؟ لقد لاحظت أنك متضايقة منذ فترة، تحدثي أنا هنا لأستمع إليكِ .
جوانا : إنه الحادث الذي فقدنا فيه أبي وأخي، لا أستطيع نسيانه، رغم أنني حاولت كثيرًا .
الأم (بدهشة): يا حبيبتي، كنتِ صغيرة وقتها، لم أتخيل أن أثر الحادث لا يزال بداخلك، لقد تحملتُ الألم عنكِ حتى لا تُعاني .
جوانا (وهي تبكي): أمي، أنا لست قوية كما كنتِ تعتقدين، كنت أحاول الظهور بمظهر القوة من أجلك حتى لا اتعبك، لكن ذكريات الحادث تطاردني دائمًا، والخوف من فقدانك لا يفارقني .
الأم (تمسك بيديها بحنان): لا بأس يا صغيرتي لا تخافي، واعلمي أن أعمارنا بيد الله، وهذا قدره علينا، ومن الخطأ إخفاء مخاوفك عن والدتك ولا ينبغي لكِ تحمل هذا الألم وحدك،أنا هنا دائمًا بجانبك .
أدركت جوانا بعد حديثها مع والدتها أن البوح بمشاعرها ساعدها على تخفيف عبء الألم الذي حملته لسنوات، شعرت وكأنها ألقت هذا الحمل الثقيل عن كاهلها، لم تعد تخشى مواجهة مشاعرها أو الحديث عنها، ورغم أن الخوف قد لا يختفي تمامًا، إلا أنه لم يعد يتحكم في حياتها، فأيقنت أن المحبة، والثقة، والدعم العائلي، إلى جانب الصراحة والوضوح، هي أساس تجاوز التحديات في هذه المرحلة الصعبة، وأصبحت علاقتها بوالدتها أقوى وأعمق .

ومع مرور الأيام، لاحظت جوانا تغيرًا في نفسها؛ لم تعد تبكي لوحدها بلا سبب أو شعورها بالخوف والحيرة من المجهول، استمرت جوانا في التفوق في دراستها وعملها، ولكن هذه المرة دون إحساسها بالثقل الذي كان يرافقها، باتت كتاباتها أكثر صدقًا وإلهامًا، فهي الآن قادرة على التعبير عن مشاعرها بوضوح، حولت تجربتها الشخصية إلى مصدر إلهام لكل من يمر بتجربة مشابهة ..
جوانا أصبحت ترى في الماضي درسًا وفي المستقبل أملًا بعد أن تمكنت جوانا من تجاوز مخاوفها المرتبطة بحادثة طفولتها، شعرت بسلام داخلي غير مسبوق، مكَّنها من التركيز على دراستها والتخرج بنجاح باهر، وفي حين كانت سعادتها للالتحاق بالجامعة ومواصلة مسيرتها الأكاديمية، كانت تجد صعوبة لمغادرتها لمدرستها التي تمثل لها مكانة خاصة .
وفي أثناء ذلك، جاءتها مفاجأة سارة من معلمتها نورا، التي أخبرتها بأن مديرة المدرسة قررت إطلاق دورات ولقاءات شهرية للطالبات في جميع المراحل للتركيز على مرحلة البلوغ، وطلبت منها المشاركة في هذه الفعاليات واللقاءات، نظرًا لتأثيرها الكبير على الطالبات، حيث أثبتت قدرتها على كسب اهتمامهن وتوجيههن بشكل فعّال .

وافقت جوانا دون تردد، معتبرة ذلك فرصة مميزة للتعبير عن أفكارها ومشاركة خبراتها مع الطالبات خصوصاً في الكتابة، وتواصلها لن يقطع مع مدْرستها ومدرّساتها .
لن تنتهي الحياة بحلوها ومرّها من تقديم أحداث وتحديات جديدة تعكس مراحل نمو وتطور جوانا في مسيرة تقدمها في حياتها المستقبلية والأكاديمية .