دعوني أبهركم أنا موجودة (6)

22
0

………….الفصل السادس

ماذا يحدث لي مازلت صغيرة ؟!
أنا أتغير

از زز

في  أثناء الإجازة الصيفية، شاركت جوانا في الكتابة عبر منصة الكترونية التي أصبحت متنفسًا لها وللكثير من الفتيات، حيث حققت كتاباتها صدى واسع على وسائل التواصل الاجتماعي .

تميزت بإسلوبها الفريد وقدرتها على الإقناع، إضافة إلى مهاراتها الواضحة في التحدث بكل طلاقة ومرونة، مما عزز مكانتها كقدوة ملهمة للفتيات في سنها، يدعمها في ذلك الأستاذ والكاتب إبراهيم  في المنصة ذاتها، الذي يعمل في قسم التحرير والنشر، وقد أُعجب بمقالاتها، حيث أشاد عن تقديره لحماسها وإصرارها، ولأنها بالفعل استطاعت التميز في عملها، وبما أنه كان مسؤولًا عن تحرير ومراجعة ما تكتب، أصبحت ثقته بكتاباتها تتزايد يومًا بعد يوم .

وفي يوم من الأيام، عاد أستاذ إبراهيم إلى منزله بعد يومٍ طويل من العمل، حاملاً معه كل ما تحتاجه ابنته الوحيدة، – نور – وهي فتاة في الحادي عشر من عمرها، فقدت والدتها منذ أن كانت صغيرة، فتولى والدها تربيتها والعناية بها، ولم يتزوج بعد وفاة والدتها .

نور، فتاة جميلة لها عينان تلمعان بفضول الطفولة، وشعر قصير ينسدل بنعومة على كتفها، وجسم طويل ونحيل، نور تمر في مرحلة هامة من النمو( بين الطفولة والبلوغ ) وفي هذا العمر يحدث الكثير من التغيرات الجسدية مثل نمو في الطول والتغيرات الهرمونية، إلى التغيرات العاطفية والنفسية التي تجعلها تتساءل، ماذا يحدث لجسمي .. أنا أتغير ؟

ولاسيما أنها ما زالت تتمتع ببراءة الأطفال، لكن قلبها وعقلها لا يخلوان من بعض الحيرة والقلق والحزن الذي قد يؤثر في مشاعرها .

دخل والدها منزلهم ليجد ابنته الصغيرة تبكي من ألمٍ في بطنها، حاول الاقتراب منها لمعرفة سبب ألمها وتهدئتها؛ لكنها رفضت السماح له بالاقتراب، وركضت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها، وهي تصرخ :
أبي، أريد أمي! أريد أمي! أنت لا تعرف شيئًا، أنت لاتفهم ما أشعر به ؟

حاصرت الحيرة عقل أستاذ ابراهيم حول ما يحدث لابنته فأصابه ضيق شديد، ولكن سرعان ما تذكر مقالات جوانا وقدرتها على التأثير، فعرف أن بكاء نور ربما يعود إلى التغيرات الجسدية والنفسية التي قد تحدث في مرحلة البلوغ .

فكَّر أستاذ ابراهيم في التواصل مع جوانا والاستعانة بخبرتها فيما يخص الفتيات، وبعد تردد اتصل بها .

ابراهيم : السلام عليكم .

جوانا : وعليكم السلام، أستاذ إبراهيم .

ابراهيم : أريد منكِ خدمة، وأنا في حرج من طلبي، فهل تسمحي لي ؟

جوانا : بكل سرور، تفضل أستاذ ابراهيم .

ابراهيم : أريدكِ أن تتحدثي مع ابنتي نور حول أمر حساس، أعتقد أنها تمر بمرحلة بلوغ مبكر، وتحتاج إلى من يوجهها في هذه المرحلة، نور تفتقد لوالدتها بشكل كبير، وللأسف نحن نعيش هنا وحدنا .

جوانا : إنه أمر محزن!! لكن لا تقلق، سيكون شرفًا لي أن أجلس معها .

إبراهيم : سوف أصحبها غداً إلى المكتبة العامة، لأنها تحب القراءة وزيارة المكتبة، فهل يناسبك أن تلتقي بها في المكتبة .

جوانا : نعم يناسبني جداً، سوف ألتقي بكم غداً إن شاء الله .

في اليوم التالي، اصطحب أستاذ ابراهيم ابنته نور إلى المكتبة، وقد أصبحت بحالة جيدة، وهناك التقت نور بجوانا، بعد أن قدمها والدها إليها وطلب منها أن تبقى برفقتها لبعض الوقت .

نظرت نور لجوانا بنظرة تعجب، تمتزج بقليل من الخوف، ولكن سرعان من ما تبدد ذلك الشعور عندما قدمت لها هدية في صندوق وردي جميل، لمعت عيناها، وابتسمت، وهزت رأسها معبرة عن امتنانها لجوانا .

وعلى طاولة في طرف المكتبة جلست جوانا مع نور، كان الجو مشحونًا بالحذر، بدأت جوانا بالحديث فشعرت نور حينها بوجود شخص يفهمها .

جوانا : أعتقد أنه من المهم أن أبدأ بالتعريف عن نفسي، حتى تشعرين بالراحة أكثر، أنا جوانا، وسوف أساعدك في فهم ما تمرين به، وليس لأني مررت بما تمرين به فقط، بل كصديقة مقربة منكِ .

نور (بصوت طفولي) لكن، أنتِ أكبر مني بكثير، كيف يمكنني أن أفهمك ؟

جوانا ابتسمت برفق ولمعت عيناها وهي ترد بالتأكيد، أنا أكبر منك، لكن التغيرات التي تشعرين بها الآن، مررتُ بها أيضًا، من الجيد أن نتحدث إلى شخص يفهمنا ويشعر بنا، ليتفهم ما نمر به .

نور : هل مررتِ بكل شيء بمفردك ؟

جوانا : أحيانًا، نعم ،، في البداية كنت أشعر بالخوف والارتباك، تمامًا كما تشعرين الآن، كنت أعتقد أنني مختلفة، ولا أفهم ما يحدث لي، ولكن مع مرور الوقت، بدأت أكتشف أن التغيرات الجسدية والنفسية جزءاً من عملية طبيعية جدًا وهذا يعني أنني أكبر، عندها تعلمت كيف أتقبلها وكيف أتعامل معها .

نور : هل شعرتِ بالوحدة ؟

جوانا : نعم، شعرت بذلك، لكن بعد فترة أدركت أنه شيءٌ مشترك، يحصل لجميع الفتيات، فأنتِ لستِ وحدكِ في ذلك .

كانت لدي صديقة أخبرتني في أحد الأيام أنها أيضًا كانت تشعر بالخوف مثلي ولكن كلماتها الدافئة ودعمها لي طمئنني أكثر من أي شيء آخر، ولاحظتُ شيئًا مهمًا : أن الدعم من الأشخاص الذين نحبهم هو ما يساعدنا في تخطي أصعب الأوقات .

نور : وكيف أتعامل مع هذا التغيير الآن ؟

جوانا : لن أقول أنه بالأمر البسيط لكنه يبدأ بتقبل نفسك أولاً . وأن هذه التغيرات التي تمرين بها الآن ليست شيئًا سيئًا، بل هي جزء من نموك، وإذا شعرتِ أنكِ بحاجة إلى التحدث، أنا هنا .

نور ( بصوت منخفض يكاد لا يسمع وهي تشعر بالخجل والحيرة ):

أنا ما زلت صغيرة .. كيف يحدث لي هذا ؟
لماذا يمر جسمي بكل هذه التغيرات ؟
أصبح صدري يؤلمني كثيراً وبدأ بالبروز، أصبحت أخجل من والدي، بالرغم أنني لم أكن أخجل منه في السابق .

جوانا :  أفهم مشاعركِ يانور، في البداية، قد يبدو الأمر غريبًا أو حتى مرهقًا أو مزعجاً لكنه طبيعي جدًا، وأنت الآن تمرين بأولى خطوات البلوغ .

نور : لكن .. لا أريد أن أكبر الآن، أنا خائفة من هذا التغيير- وبخجل شديد ظاهر عليها – أيضاً أريد أن أخبرك بأمر آخر يحدث لي، لقد ظهر لي شعر في المنطقة الحساسة وتحت الإبط، لقد حاولت التخلص منه فجرحت نفسي مما زاد من ألمي، فهل هذا طبيعي أيضاً ؟

جوانا – برقة – تضع يدها بلطف على كتفها :

كل واحدة منا حصل لها مثلما حصل لكِ، وهو جزء من النمو، وهذه المرحلة ضرورية في حياتك، وهي تعني أنكِ تقتربين من مرحلة جديدة من النضج .

نور : أنا لا أريد أن أشعر بهذه الآلام، لا أريد أن أعيش هذه التغيرات .

جوانا : أعلم أنه قد يبدو مخيفًا، لكنكِ لستِ وحدكِ. يمكنكِ التحدث مع من حولكِ في أي وقت تحتاجين فيه إلى الدعم أو النصائح، سيكون كل شيء أسهل عندما تعرفين أن هذه التغيرات تعني أنكِ في طريقك لأن تصبحي أم وامرأة قوية وجميلة، مثل والدتكِ، أليس كذلك!؟

نور : (وهي تشعر ببعض الطمأنينة) نعم، صحيح ؟ وهل ستمر هذه الآلام ؟

جوانا : نعم، ستمر . وبالتأكيد سيتحسن شعورك مع مرور الوقت، ستعتادين على التغيرات وسيحصل لك أكثر من ذلك، المهم أن تحافظي على هدوئكِ وتثقي بنفسكِ، وسوف أخبركِ بكل شئ وبهدوء، كيف تعتنين بنفسك، نظافتك، وماذا يجب عليك أن تستخدمي حتى تقي نفسك من الضرر .

نور : أنا أحبك كثيراً يا صدقتي .

جوانا : وأنا أيضاً أحبك، وسوف أكون بجانبك دوماً، وأخبرك بكل شئ بالتفصيل .

استمعت جوانا للفتاة الصغيرة بحنان، احتوت خوفها وحيرتها وطمأنتها، وأدركت أن نور لم تكن تخشى الألم فقط، بل كانت تشعر بالارتباك والخوف من التغيرات التي لم تفهمها بالكامل، ولاسيما في غياب والدتها .

جلست جوانا بعد حديثها مع نور، تتأمل تلك اللحظة، أدركت أن كل فتاة في مثل عمر نور تمر برحلة مشابهة، مليئة بالأسئلة والارتباك، شعرت بأن هذه التغيرات التي بدت غامضة ومخيفة لنور ليست سوى جزء من حكاية أكبر : حكاية النمو والتحول والبلوغ .

ومن هنا ولدت فكرة لمقالتها الجديدة، فأرادت جوانا أن تكتب مقالاً يحمل رسالة لكل فتاة تواجه تلك اللحظات، لتخبرها بلطف ووعي : لستِ وحدكِ في هذا .

فكانت مقالتها بعنوان يمس قلوب الفتيات :

أنـا أتـغـير

“لا بد وأن تمر كل فتاة صغيرة من مرحلة طفولتها ونعومة أظفارها، إلى مرحلة النضج والأنوثة الكاملة، لذلك لا بد لها من عبور جسر البلوغ، والتي تُعتبر مرحلة تحضيرية وصعبة جداً .

تبدأ فيها الفتاة باكتساب خواص نفسية وفكرية وعاطفية جديدة، وليس من السهل المرور بها دون حدوث تأثيرات مباشرة على السلوك والتغيرات الجسدية .

ولكي تتخلى الفتاة عن الغطاء الطفولي الذي عاشت فيه منذ ولادتها، وتظهر بالرداء الأنثوي “النضوج” الذي تنمحي فيه ملامح الطفولة، ستصبح عرضة لهذه التقلبات التي تغلب على تصرفاتها، وتكون لها فيها حسابات مختلفة، وكأن الأمور صارت رأساً على عقب حيث يتبدل ذلك النشاط والشغف الذي كان يملأها في طفولتها إلى حالة مليئة بالتعجب والحيرة، فمن الطبيعي شعورها بالخوف والارتباك لما يحصل لها، لذلك تحتاج إلى اهتمام بالغ، ورعاية خاصة، وإثراء معرفي ملهم ومتعقل حتى تجتاز هذه المرحلة بأمان ووعي كامل .

وبحكم تلك التحولات – التي تتصف بالتغيرات العاطفية السريعة – تراها تارة  تحلق في سماء البهجة والفرح، وتارة أخرى ترغب في الصراخ والبكاء، ورغم ذلك سيبقى داخل كل أنثى صفات طفولية مدفونة تظهر من حين إلى حين .

وتُعد هذه المرحلة الأولى من التغيرات، ففيها تصبح الفتاة أكثر حساسية، مما يجعل أي تصرف أو معارضة، أو سوء فهم من الآخرين يؤثر عليها نفسيًا ويترك بصمته على تكوينها الأنثوي .

وفيها تتأرجح مشاعرها بين تأثير الهرمونات والاضطرابات النفسية، كما تتأرجح الفراشة في سماء متقلبة الأجواء . وبينما تكون هذه المرحلة صعبة ومؤلمة للبعض، قد تبدو للبعض الآخر مرنة ومليئة بالحماس والشعور بالاستقلالية .

وكلما أدرك الأهل هذه المرحلة وما يحدث فيها من تغيرات نفسية وما يدور في أذهان بناتهن، صارت مزاجيتهن والأطوار الغريبة التي تصدر منهن وسلوكياتهن الغير متوقعة، أكثر منطقية وأسهل فهماً .

وبكل بساطة تمر كل فتاة بتحول سريع ومذهل تصبح من خلاله شخصاً مسؤولاً وناضجاً”

يتبع 

نادية حسن
WRITTEN BY

نادية حسن

دبلوم في الكتابة الروائية من أكاديمية إيجادة - الدبلوم العالي لإدارة الأعمال - كاتبة فنيات الحوار الروائي -
كاتبة لقصص قصيرة و مقالات وخواطر متنوعة - مشرفة superviso

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *