دعوني أبهركم أنا موجودة (7)

26
0

………….الفصل السابع

أنا مستقلة

بعد أن تجاوزت جوانا مخاوفها المرتبطة بالحادث الذي شكل نقطة تحول في حياتها، استطاعت أن تجد لنفسها دورًا جديدًا في دعمها للآخرين ومساعدتهم، والوقوف بجانب كل من يحتاج إليها، شعرت أخيرًا بسلام داخلي لم تعهده من قبل، لقد منحها شغفها وحبها للكتابة القدرة على التعبير عن كل ما تريد إيصاله بسلاسة ومرونة، فقد جعلتها الكتابة أكثر وعيًا بمسؤولياتها، وفتحت لها الباب لآفاق جديدة .

وبالرغم من ذلك ففي كل خطوة تخطوها تجد نفسها تواجه تساؤلات لم تكن مستعدة لها تمامًا، بدأت الأسئلة تتوارد في ذهنها،

من هي جوانا ؟ وماذا سأكون ؟

وكيف سأقرر ماذا أريد ؟ وهل ستتقبل والدتي قراراتي ؟

هكذا، بدأت جوانا مرحلة جديدة، ليست فقط للبحث عن الإجابات، ولكن لاكتشاف ذاتها في عالم بالنسبة لها يزداد غموضاً في كل مرحلة تمر بها .

جوانا وللمرة الأولى تشعر بأنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي تعتمد كليًا على دعم والدتها؛ لتحديد هويتها، بل بدأت تدرك أن تحقيق الاستقلالية ليس فقط في النجاح الظاهري، بل في اكتشاف ما تريده هي حقًا بعيدًا عن توقعات الآخرين .

فقد حان الوقت لتواجه قرارات جديدة تتعلق بمستقبلها التعليمي وحياتها الشخصية، وكيف سيكون لها أن تبني حياة تحقق فيها التوازن بين الاستقلالية، والمحافظة على الروابط العاطفية والاجتماعية، وبعد بحث طويل اكتشفت جوانا،، أن الاستقلالية ليست مجرد قرار بالإبتعاد، بل هي رحلة نحو فهمها لما تريده، والتعايش مع قراراتها التي ستحدد ماذا ستكون في المستقبل .

جوانا وجدت نفسها تخوض أولى قراراتها مع أقرب الناس إليها، فهذه كانت أول خطوة نحو إثبات ذاتها، ومعرفتها لهويتها بعيدًا عن كل التوقعات .

وفي وسط هذه الأفكار والتساؤلات التي كانت تدور في عقلها، كان العشاء العائلي هو الوقت المناسب الذي ستختبر فيه أولى قراراتها الجريئة، لكن والدتها والتي كانت تنظر إليها بفخر ورضا بعد أن حققت ابنتها نجاحات إجتماعية وأدبية لافتة، لم تكن تعلم أن حديثها مع ابنتها سوف يغير مسار ذلك الفخر إلى قلق وحيرة .

بادرت الأم بسؤالها مقاطعة لحبل الأفكار التي تدور في ذهنها .

الأم : جوانا، هل فكرتي في التخصص الذي سوف تدرسينه ؟

جوانا – بتردد بسيط -: في الحقيقة، يا أمي، ما زلت أفكر . الكل يتوقع مني أن أواصل في مجال الكتابة الذي أبدعت فيه من خلال دراسة اللغة والأدب، بالرغم أن الكتابة هي شغفي، إلا أن مساري التعليمي علمي،
لكن … أريد شيئًا يشبهني أنا .

الأم – ببعض القلق -: لكن هذا المجال هو الذي يشبهك، لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا للوصول إلى هذا، لماذا تريدين تغيير رأيك الآن ؟

جوانا : أعلم ذلك، وأقدر خوفك عليَّ، لكن أحتاج هذه الفرصة لأعرف من أنا، بعيدًا عن كل الآراء والتوقعات، أريد أن أعيش تجربتي الخاصة، حتى لو كانت مليئة بالتحديات، وليس ما يُتوقع مني .

الأم : سوف أحاول أن أفهمك … لكنني أريدك فقط أن تكوني سعيدة، وأن لا تتخذي خطوات قد تؤلمك أو تندمي عليها .

جوانا : ربما حان الوقت لأخوض هذه التحديات بنفسي، حتى أكتشف من أكون .

الأم : أتمنى لك التوفيق يا ابنتي، لكن لابد لك من التفكير جيداً في الأمر.

مهدت جوانا لوالدتها فكرة استقلاليتها في اختيار تخصصها الدراسي، بالرغم من أنها لا تزال حائرة في تحديد الخيار الأنسب لها . فكانت رحلتها حقاً في البحث عما تريده بعيدًا عن توقعات الآخرين، وبالأخص والدتها التي لا تزال في قلق على مستقبلها وتسعى لحمايتها قدر الإمكان .

وبعد مرور يومان من حديثها مع والدتها وفي مساء يوم جميل هادئ، بينما كانت جوانا تحتسي مع والدتها الشاي، رن هاتفها الجوال برقم لم تعرفه، ولم تعلم أن أمراً جديداً سيغير مجرى حياتها بالكامل .

جوانا : – بنبرة تعجب – وعليكم السلام .. أنا وأمي بخير الحمدلله، عفواً من المتصل ؟

المتصل : أنا عمك خالد صديق والدك هل تذكريني ؟

لقد عدت للوطن وأحببت أن التقي بك لدي أمانة أريد أن أوصلها لك من والدك رحمه الله .

جوانا : أهلا بك عمي خالد ،، بكل سرور أهلاً بك في أي وقت .

العم خالد : أريد رؤيتك في المستشفى الذي أعمل به .

جوانا : بكل سرور ،، نلتقي غداً صباحاً – بإذن الله –.

علامات استفهام وتعجب بدت ظاهرة على جوانا – أمي إنه العم خالد .

الأم : ماذا يريد منك خالد ؟ ومتى عاد من السفر ؟ منذ زمن طويل لم نسمع عنه شيء، لقد

كان صديقاً مقرباً لوالدك .

جوانا : لا أعلم ماذا يريد، إنه أمرٌ يخص والدي! سوف أذهب لأعرف ماذا يريد .

وفي صباح اليوم التالي ذهبت جوانا إلى المستشفى التي يعمل فيها العم خالد، وعند دخولها من الباب الرئيسي أصيبت بدهشة وهيبة كبيرة، أنه صرحٌ طبيٌّ مذهل، يتميز بتصميم معماري عصري يجمع بين الفخامة والعملية، استقبلتها ردهة واسعة تميزها ألوان هادئة، تقدمت جوانا من موظفة الاستقبال تسأل عن العم خالد .

الموظفة : هـل أنت جوانا، الدكتور خالد بانتظارك، وأشارت إلى رجل يجلس على مقعد يتصفح جهازه .

توجهت جوانا إلى صديق والدها بخطوات ثابتة وهي تحدث نفسها ماذا تخبئ لي الأيام من مغامرات جديدة.

جوانا : السلام عليكم .

خالد : أهلاً بك يا ابنتي ،، ماشاء الله .. لقد كبرتِ وتغير شكلك لم أعرفك .

جوانا : نعم! كبرت والأيام تمضي سريعاً، لقد تخرجت من الثانوية العامة هذه السنة بتفوق .

خـالـد : أحسنتِ ،، وما هو التخصص الذي اخترتيه، دعيني أخمن، هل ستصبحين طبيبة

بارعة مثل والدك؟ ، تجمدت جوانا في مكانها ولم تنطق بكلمة واحدة – ماذا حدث لك يابنتي ؟

جوانا : – ردت والدهشة تبدو على وجهها – لا شئ ، ربما فقط من رهبة المكان، أشعر بقلق

عندما أدخل إلى المستشفيات وأتذكر ما حدث لعائلتي .

خالد : لذلك من الأجدر لكِ أن تكوني طبيبة، لأنها أُمنية والدك قبل وفاته، وقد سمعته يردد

ذلك كثيراً، يتمنى أن تكوني طبيبة، وقد ترك لك ملفاً سوف أسلمه لك .

جوانا : – بتعجب – هل حقًا أبي يريد هذا ؟ لكن أنا… لا، لا أرغب في ذلك أبدًا .

خالد : وهذا بالضبط ما دفعني للإتصال بك، لقد ترك لك والدك هذه الرسالة .

جوانا : أنا لا أستطيع التعامل مع المرضى .

خالد : لقد سمعتُ عن كتاباتك وقرأت بعضاً منها، إنها في غاية الجمال والرقة، استطعتِ من خلال كلماتك أن تلامسي القلوب وهذا هو عمل الطبيب البارع، فالعلاج ليس بالدواء فحسب بل في الدخول إلى قلوبهم، فكيف إن جمع بين الإثنين .

جوانا : هل هذا حقيقي ؟ هل يمكن للكلمات أن تخلق هذا التأثير؟ هل يمكن للطبيب أن يداوي القلوب كما يداوي الجسد ؟

خالد : يا ابنتي، الطب ليس مجرد وظيفة أو دراسة علمية أو مؤهل وظيفي فحسب، الطب مهنة ورسالة إنسانية، مهنة الطب تتطلب مهارات علمية، وإلى قدرة عالية ومرونة على التواصل والتعامل مع المرضى، مهنة الطب هي واحدة من أرقى وأهم وأنبل المهن الإنسانية التي تعتني بصحة الإنسان وتقديم الرعاية الطبية والنفسية للمريض .

جوانا : – بدهشة وقد تملكتها مشاعر غريبة – يا الله! كأنني وجدت ما أبحث عنه، وكأن نورًا قد شعّ في أعماقي وأنار ظلمة حيرتي، عمي خالد، لقد فتحت أمامي بابًا ظننت أنه لن يُفتح أبدًا، ولم أتوقع يوماً أن أفكر بدراسة الطب أبداً .

ورغم أن جوانا فتاة طيبة وسريعة التأثر والتأثير، فقد يكون تعاملها مع المرضى والألم تحديًا كبيرًا لها في دراستها للطب، خصوصاً إذا تعلمت كيف توجه إحساسها ورقتها بشكل صحيح وسليم .

يتبع 

نادية حسن
WRITTEN BY

نادية حسن

دبلوم في الكتابة الروائية من أكاديمية إيجادة - الدبلوم العالي لإدارة الأعمال - كاتبة فنيات الحوار الروائي -
كاتبة لقصص قصيرة و مقالات وخواطر متنوعة - مشرفة superviso

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *