تفرض سياسات العودة إلى المكاتب على الأمهات العاملات العودة إلى توقعات قديمة وغير مستدامة، مما يعكس عقودًا من التقدم في تحقيق المساواة في مكان العمل .
هل الأمهات العاملات بخير اليوم ؟ وهل كنَّ بخير في أي وقت مضى ؟ هذه أسئلة كنت أفكر فيها مؤخرًا، خاصة بعد أن اشتهر منشور شاركته على لينكد إن، حيث حصل على أكثر من 3.6 مليون مشاهدة و 29,000 تفاعل و 3,300 تعليق .
ولكن إذا تحدثت مع الأمهات العاملات، فالحقيقة هي أن الأمور لم تكن على ما يرام أبدًا، وبالتأكيد ليست على ما يرام اليوم .
ردود الفعل العكسية .. وما تكشف عنه
كانت الاستجابة لمنشوري قوية، تلقيت عددًا هائلًا من الرسائل من أمهات يشاركن قصصهن، ويشكرنني على التحدث عن أهمية العمل المرن, لكنني أيضًا واجهت مقاومة كبيرة، تساءل العديد من الرجال : “ماذا عن الآباء ؟” حتى أن امرأة واحدة وصفت منشوري بأنه “متحيز جنسياً ” وزعمت أن المساواة بين النساء في مكان العمل اليوم “جيدة جدًا”.
يعكس هذا الرد سوء فهم أوسع، وهو أن صراعات الأمهات العاملات مبالغ فيها أو عفا عليها الزمن .
بينما يشارك المزيد من الآباء في تربية الأطفال أكثر من أي وقت مضى، ولكن تظهر الأبحاث أن الأمهات ما زلن يتحملن غالبية مسؤوليات رعاية الأطفال والأعمال المنزلية في معظم العائلات .
هذه الانتقادات تسلط الضوء على التقليل من التأثير غير المتكافئ على النساء، وعلى الرغم من أن هذه القضايا تؤثر على كلا الوالدين، لكن حتى نتعامل مع هذه الفجوات بشكل مباشر، ستستمر الأمهات العاملات في تحمل العبء الأكبر من هذه المسؤوليات وغالبًا على حساب حياتهن المهنية ورفاهيتهن .
الأعباء الذهنية : الوزن غير المرئي الذي تتحمله الأمهات
ما كان صحيحًا قبل الجائحة لا يزال صحيحًا الآن : الأمهات لا يعملن فقط بدوام كامل، بل يتحملن أيضًا عبئًا غير مرئي في كثير من الأحيان .
إلى جانب المهام الجسدية مثل توصيل الأطفال إلى المدرسة، تحضير الوجبات، وحجز مواعيد الطبيب، تقوم الأمهات بتتبع الجداول الزمنية، والتسجيل في الأنشطة اللامنهجية، والتخطيط للوجبات، وتذكّر أعياد الميلاد، والتأكد من أن كل فرد في العائلة لديه ما يحتاجه .
وجدت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2023 أنه حتى في الأسر التي يساهم فيها كلا الوالدين بشكل متساوٍ في دخل الأسرة، لا تزال النساء تتحملن غالبية المهام المتعلقة بالأطفال والأعمال المنزلية. ووجدت دراسة أخرى في مجلة Journal of Marriage and Family أن الأمهات تتحملن 71% من الأعباء الذهنية للمنزل، وهي الدورة اللانهائية من التخطيط، التنسيق، والاستعداد للاحتياجات .
وعندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها، عندما يمرض الطفل أو تفشل عملية رعاية الأطفال، لا تزال الأمهات هن من يتحملن اللوم .
وجدتُ أبحاث من معهد سياسة المساواة بين الجنسين أن الأمهات يقمن بـ 1.6 مرة من أعمال رعاية الأطفال والأعمال المنزلية مقارنة بالآباء، حيث يقضين أكثر من 19 ساعة في الأسبوع مقارنة بأكثر من 12 ساعة فقط للآباء. حتى في الأسر التي يوجد فيها آباء مشاركون، تظل الأمهات هن مقدمات الرعاية الافتراضيات، حيث يتحملن الاضطرابات اللحظية التي يمكن أن تجعل الموازنة بين العمل والعائلة أكثر صعوبة .
وهذا الخلل له عواقب : الأمهات متوترات، مرهقات، وفي كثير من الحالات، يتم تهميشهن مهنيًا لأنه ببساطة لا يمكنهن القيام بكل شيء .
كما قالت أحد متابعاتي على لينكد إن : “أشعر وكأنني أتنقل باستمرار بين كل شيء، وأنا دائمًا خائفة من أن أسقِط الكرة”.
التأثير الحقيقي للعمل عن بُعد على الأمهات العاملات
العمل عن بُعد لا يمحو هذه المسؤوليات بشكل سحري، ولكنه يجعلها أكثر قابلية للإدارة، فهو يلغي أوقات التنقل، ويوفر المال للعائلات، ويمنح الأمهات المرونة لموازنة العمل والحياة المنزلية بطريقة غير مستحيلة .
الأهم من ذلك، أنه يخفف العبء الذهني غير المرئي الذي يلازم الأمهات حتى خلال ساعات العمل، التخطيط المستمر، التوقع، والتنسيق الذي لا يتوقف لمجرد أنهن في وقت العمل .
العمل عن بُعد يمنح تحكمًا أكبر في الجداول الزمنية، مما يسهل على الأمهات البقاء حاضرات مهنيًا وشخصيًا، بدلًا من الشعور بأنهن يفشلن في كلا الجانبين .
بالإضافة إلى التوازن بين العمل والحياة، فإن الفوائد المالية للعمل عن بُعد لا يمكن تجاهلها .
وفي المناخ الاقتصادي الحالي، حيث تستمر أسعار الوقود، تكاليف النقل، ونفقات المعيشة الأخرى في الارتفاع، فإن إلغاء التنقل اليومي يمكن أن يخفف بشكل كبير من الضغوط المالية. علاوة على ذلك، يمكن أن يقلل العمل عن بُعد من نفقات رعاية الأطفال، وهي واحدة من أكبر الأعباء المالية على الآباء، خاصة أولئك الذين لديهم أطفال صغار. فقد ساعدت ترتيبات العمل المرنة العائلات على تجنب التكاليف المفرطة لرعاية الأطفال أو الكابوس اللوجستي المتمثل في البحث عن رعاية احتياطية في اللحظة الأخيرة، وعندما تفشل عملية رعاية الاطفال، بالنسبة للعديد من الأمهات، فإن العمل عن بُعد لا يتعلق فقط بجعل الحياة أسهل، بل يتعلق بجعل البقاء على رأس العمل ممكنًا من الناحية المالية .
ومع ذلك، وعلى الرغم من الفوائد، فإن سياسات العودة إلى المكاتب تكتسب زخمًا، وكالعادة، الأمهات العاملات هن من يشعرن بالآثار أولاً .
لماذا هذا مهم الآن ؟
تجاهل هذه الحقائق لا يجعلها تختفي بل يعزز استمرارها. عندما نشرت حول أهمية العمل عن بُعد للنساء العاملات، خاصة الأمهات، تلقيت مجموعة واسعة من الردود. تساءل العديد من الآباء : “ماذا عنَّا ؟” وأنا أفهم ذلك، العمل عن بُعد يفيد الجميع، بغض النظر عن أدوارهم في الرعاية .
ولكن إليك الحقيقة : التفاوتات النظامية التي تواجهها النساء في مكان العمل تتطلب اهتمامًا محددًا، نعم، لقد أحرزنا تقدمًا في مشاركة النساء في القوى العاملة، وهذا أمر رائع، لكن الأمهات اللواتي لديهن أطفال صغار يتم إهمالهن .
وفقًا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، فإن نسبة الأمهات اللواتي لديهن أطفال دون السادسة أقل عرضة للتواجد على رأس العمل مقارنة بالآباء الآخرين، وقد استقرت هذه النسبة في الخريف الماضي، العمل المرن عن بُعد هو أحد الطرق لسد هذه الفجوة، مما يفيد جميع الآباء مع السماح للنساء بالحفاظ على حياتهن المهنية .
بينما لن يحل العمل عن بُعد كل التحديات، مثل رعاية الأطفال باهظة التكلفة أو عدم وجود إجازة عائلية مدفوعة الأجر، إلا أنه خطوة كبيرة نحو تحقيق المساواة في مكان العمل، هذا لا يتعلق بالراحة فقط، بل يتعلق بخلق قوة عاملة لا تضطر فيها النساء إلى الاختيار بين وظائفهن وعائلاتهن. ولنكن واضحين : بينما يفيد العمل عن بُعد الجميع، فإنه يوفر راحة حيوية بشكل خاص للأمهات .
الصورة الأكبر : سياسات العودة إلى المكاتب تعيد النساء إلى الوراء
نحن في عام 2025، وبدلاً من معالجة الحواجز النظامية التي تجعل من الصعب على الأمهات النجاح مهنيًا، فإن سياسات العودة إلى المكاتب تفاقم عدم المساواة بين الجنسين .
أحد الأمثلة البارزة هي JPMorgan Chase، التي أوقفت تعليقات الموظفين بعد ردود الفعل العنيفة تجاه سياسة العودة إلى المكتب لمدة خمسة أيام، انتقد العديد من العمال هذا القرار، وبالنسبة للأمهات، فإن سياسات مثل هذه تشير إلى العودة إلى هياكل العمل القديمة والصلبة التي لا تأخذ في الاعتبار مسؤوليات الرعاية .
ومع تزايد عدد الشركات التي تتبع هذا النهج، فإن الأمهات هن من يتحملن مرة أخرى عبء التوفيق بين المستحيل. إنهن يوازنَّ بين متطلبات وظائفهن والحصة المستمرة وغير المتكافئة من المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال التي لا يزلن يتحملنها .
لدينا فرصة نادرة لتشكيل مستقبل لا تضطر فيه الأمهات إلى الاختيار بين النجاح في العمل والاهتمام بعائلاتهن. فالحفاظ على خيارات العمل المرن لا يتعلق فقط بالراحة، بل يتعلق بإبقاء الأمهات في القوى العاملة .
المرجع :

اترك تعليقاً