
……………الفصل الثامن
اجتماع الشغف والمهنة
عادت جوانا لمنزلها وهي تحمل على عاتقها أمنية أبيها، الذي تركها لها عند صديقه والتي غيرت كل أحلامها وتوقعاتها، كانت تبحث عن شئ يشبهها، فوجدت ما أرادت، حيث اجتمع شغفها ومهنتها .

عادت إلى منزلها وجلست على الكنبة شاردة بفكرها محلقة في خواطرها .
فقاطعت والدتها شردوها وحبل أفكارها وسألتها بماذا أخبرها الدكتور خالد، أخبرت جوانا أمها عن أمنية أبيها بأنه يريدها أن تكون طبيبة، وهذا ما كانت والدتها تخشاه .
شعرت جوانا بقلق والدتها ولكنها لم تفهم سبب ذلك القلق، فأخبرتها بصعوبة هذه المهنة ؟ وأن العمل كطبيبة يتطلب تحمّل الكثير من الضغوط النفسية والجسدية .
فكان طلب جوانا من أمها أن تساعدها في إكمال مسيرة والدها، الذي كان طبيباً جراحاً قضى عمره كله بين المرضى وتخفيف الألم عنهم .
في حين أن الأم كانت تعلم بمعاناة زوجها في متابعته للمرضى، وهى ترى شدة التعب الذي يتعرض له في مهنته، ولأن ابنتها إنسانة حساسة ورقيقة جداً لن تتحمل هذا المجهود والضغط الكبيرين، ورغم كل ذلك استطاعت جوانا أن تقنع والدتها بأنها قادرة على ذلك، لأنها سوف تتعلم كيف تحول مشاعرها إلى قوة لتكون عوناً لمن يحتاج إلى مساعدتها .
– وبنظرة ماكرة منها – أخبرت والدتها عن التخصص الذي فكرت في دراسته،
بعد أن فكرت! وقررت!
أن تدرس طب الأسرة، وهي مقتنعة بذلك تمامًا .
وبالرغم من تعجب والدتها الشديد من اختيارها، إلا أنها قررت أن تقف إلى جانب ابنتها بعدما فهمت أن دراسة الطب سيكون امتدادًا لرسالتها في الكتابة، لكن بشكل أعمق، فجوانا تريد أن تُحدث فرقًا في حياة الفتيات وتكون جزءًا من لحظاتٍ مهمة لهن رغم كل الصعوبات، فعندما تكون طبيبة تستطيع تقديم الدعم الحقيقي لهن بعلم وفهم، كما هو دائمًا في كتاباتها .
مما جعل الأم تتيقن بأن ابنتها لديها رؤية قوية لما تريد تحقيقه، وهذا أمر رائع، فقد اقتنعت بقرارها، ولا سيما أنها ترى أن هذا الطريق وسيلة لرسالتها، فهي تدعمها وتشجعها بكل تأكيد .
شكرت جوانا والدتها وهى ممتنة لدعمها وتشجيعها لها! فهذا يعني لها الكثير، قائلة لأمها : سأبذل كل جهدي لأكون طبيبة ناجحة تفتخرين بها .

قرأت جوانا الرسائل التي كتبها والدها، فقد كان والدها كاتبا مبدعاً وطبيباً بارعاً، ترك لها أبحاثاً عديدة في مجال الطب والجراحة والتجميل .
جوانا من خلال رسائل والدها سمحت لنفسها بالنمو والتطور والتعلم من خلال هذه التحديات والتي ستكون جزءًا من رحلة نضجها واستقلالها وذلك لوضوحها مع نفسها وثقتها بقرارها، وأيضاً لإكمال ما رأته وعرفته عن والدها الذي كان طبيباً بارعاً في مهنته، لذلك أرادت أن تصبح مثله، وهي تمتلئ بالكثير من التفاول والامتنان لصديق والدها الذي قدم لها هذه الرسائل.
وفي أثناء دراستها للطب واجهت جوانا مواقف مختلفة، ولكنها تسعى جاهدة لتتعلم كيف تتعامل مع تلك المشاعر ولكن بوعي وثبات، وربما ستشعر بالإرهاق في بداية الأمر بسبب رؤية المرضى والمعاناة والألم، لكنها وبكل تأكيد سوف تتجاوز السنوات الدراسية رغم صعوبتها، ومع مرور الوقت ستصبح طبيبة مميزة .
مرت سنوات الدراسة في كلية الطب سريعاً، وجدت نفسها قد واجهت الكثير من الصعوبات التي لم تكن تتوقعها، لم يكن الأمر يقتصر على المحاضرات المكثفة والامتحانات الصعبة فقط، بل كانت في قدرتها على التوازن بين حياتها الأكاديمية، وشغفها بالكتابة .
أرادت جوانا تطبيق سنة الامتياز في المستشفى الذي يعمل فيه الدكتور خالد صديق والدها حتى تتعلم منه الكثير وتكون تحت توجيهاته واهتمامه، وبالفعل بدأت العمل في المستشفى وتعرفت على بيئة العمل الحقيقية، وهناك التقت جوانا بمريضة مراهقة تُدعى ليلى، كانت تمر بظروف صعبة بعد تعرضها لمشكلة صحية أثرت على نفسيتها .
لاحظت جوانا أن الأطباء كانوا يعالجون الحالة من الناحية الطبية فقط، دون الالتفات إلى الجانب العاطفي والنفسي للفتاة، وهنا شعرت جوانا بأن هذا هو دورها الحقيقي وهو الجمع بين الطب والتواصل الإنساني .
بدأت تقضي وقتًا مع ليلى، تتحدث معها، وتساعدها على التعبير عن مشاعرها، مما ساعدها على التحسن نفسيًا، أدركت جوانا أن الطب ليس مجرد علاج جسدي، بل هو أيضًا دعم نفسي وعاطفي، وهنا بدأت فكرة جديدة تتشكل في ذهنها : إنشاء منصة أو مدونة تجمع بين الطب والدعم النفسي للفتيات والمراهقات .
فهذه مرحلة جديدة في حياتها ستدفعها لاكتشاف قوة التحمل بداخلها، لأن تكون طبيبة وكاتبة ملهمة ومعينة للفتيات في الوقت نفسه، وستتمكن من تحقيق هذا التوازن الذي طالما تمنت .
وفي إحدى الليالي المزدحمة بالمستشفى، وبينما كانت جوانا تعمل في قسم الطوارئ كجزء من تدريبها، لاحظت فتاة تجلس في زاوية غرفة الانتظار، تمسك ببطنها وتبدو عليها علامات الألم الشديد، كانت والدتها بجانبها، تمسك يدها بقلق، بينما تتحدث مع الممرضة التي تحاول تهدئتها .
اقتربت جوانا بحذر وسألت الممرضة عن حالة الفتاة، فأخبرتها بأنها تعاني من آلام حادة في أسفل البطن، واضطرابات في الدورة الشهرية، وغثيان مستمر .
اقتربت جوانا بلطف نحو الفتاة وقالت بابتسامة هادئة :
جوانا : مرحبًا، اسمي جوانا، أنا متدربة هنا. هل يمكنني معرفة اسمك ؟
الفتاة : اسمي – ليان – قالتها بصوت متعب، وعينيها مليئتان بالخوف .
جوانا : ليان، هل يمكنكِ أن تخبريني منذ متى تشعرين بهذا الألم ؟
ليان : منذ عدة أشهر، لكن الألم يزداد، في البداية كنت أعتقد أنه مجرد ألم عادي، لكنني بدأت أشعر بتعب شديد طوال الوقت، وأحيانًا أشعر بالغثيان بعد تناول الطعام .
نظرت جوانا متسائلة إلى والدتها التي بدت مرتبكة وقالت بصوت قلق :
والدة ليان : لقد أخذتها إلى أكثر من طبيب، لكنهم قالوا إن الأمر طبيعي، لكنني أراها تتألم كل شهر أكثر من الشهر السابق، وهذا ليس طبيعيًا .

طلبت الطبيبة المشرفة بعض الفحوصات الأولية، وبعد إجراء التصوير بالموجات فوق الصوتية، اكتشفت أن ليان تعاني من (تكيس المبايض) وهو اضطراب هرموني شائع بين الفتيات يمكن أن يسبب عدم انتظام الدورة الشهرية، وآلامًا مزمنة، وزيادة في الوزن، وأحيانًا مشاكل في الخصوبة مستقبلًا إذا لم يتم علاجه مبكرًا .
عادت جوانا إلى ليان ووالدتها بعد أن تحدثت مع الطبيبة المشرفة، وقالت بلطف :
جوانا : ليان، نحن نعرف الآن سبب آلامكِ، وهو أمر يمكن التعامل معه وعلاجه، أنتِ تعانين من تكيس المبايض، وهو شيء تمر به العديد من الفتيات، لكنه يحتاج إلى متابعة وعلاج منتظم .
ليان بقلق : هل هذا يعني أنني لن أتحسن ؟ وهل سيؤثر هذا علي ؟
جوانا : لا تقلقي، مع العلاج الصحيح، يمكنكِ أن تعيشي حياة طبيعية تمامًا، قد تحتاجين إلى تغييرات في نظامكِ الغذائي، وممارسة الرياضة بانتظام، وربما بعض الأدوية التي ستساعد في تنظيم هرموناتك، لكن الأهم هو أنكِ عرفتي السبب، ولن تعيشي في قلق بعد الآن .
شعرت ليان براحة، بينما أمسكت والدتها بيدها .
والدة ليان قائلة : لم أكن أعلم أن الفتيات قد يواجهن مثل هذه المشكلات الصحية في هذا العمر، كنت أعتقد أن الأمر مجرد آلام طبيعية .
جوانا : للأسف هذا شائع جدًا، لكن الكثير من الفتيات لا يحصلن على التوعية الكافية حول صحتهن، فيعتقدن أن الألم طبيعي، بينما هو في الحقيقة يحتاج إلى متابعة طبية .
بعد أيام من المتابعة، شعرت ليان بتحسن، وبدأت في الالتزام بالعلاج الموصوف لها، وقررت أن تكون أكثر وعيًا بجسدها وصحتها .
وفي تلك الليلة وبعد يوم طويل من العمل الشاق عادت جوانا إلى المنزل، وكتبت مقالًا جديدًا بعنوان – تكيس المبايض والاضطراب الهرموني – إنها المشكلة الصامتة التي تعاني منها الفتيات دون أن يدركن ما الذي يحدث لهن؛ لتساعد الفتيات على فهم أجسادهن وعدم تجاهل أي أعراض قد تكون علامة على مشكلة صحية تحتاج إلى علاج .
يتبع …

اترك تعليقاً