فقر الدم ليس مجرد تعب عابر أو شحوب في الوجه، بل هو مرض مزمن صامت يؤثر على ملايين الفتيات حول العالم .
وتحديدًا فقر الدم الناتج عن نقص الحديد (Iron Deficiency Anemia – IDA) يُعدّ الأكثر شيوعًا وخطورة، كونه يؤثر على طاقة الجسم، القدرات الإدراكية، النمو، والصحة الإنجابية مستقبلًا .
ورغم أن علاجه بسيط في كثير من الأحيان، إلا أن قلة الوعي، وتأخر التشخيص، يجعل منه أزمة صحية تهدد حياة الفتيات وجودتها .
ما هو فقر الدم ؟
فقر الدم هو حالة تنخفض فيها قدرة الدم على حمل الأكسجين، بسبب نقص في عدد خلايا الدم الحمراء أو انخفاض نسبة الهيموغلوبين .
ويُعد نقص الحديد السبب الأكثر شيوعًا، ولكن توجد أسباب أخرى مثل :
- نقص فيتامين B12 أو حمض الفوليك .
- أمراض الجهاز الهضمي (مثل السيلياك) .
- العدوى الطفيلية أو الأمراض المزمنة .
- اضطرابات في امتصاص الحديد .
لماذا الفتيات هنّ الأكثر عرضة ؟
- الدورة الشهرية والنزيف الغزير (HMB)
يؤدي فقدان الدم المتكرر شهريًا، خاصة إذا كان غزيرًا، إلى استنزاف مخزون الحديد تدريجيًا . - سوء التغذية أو الحمية القاسية
الأنظمة الغذائية الفقيرة بالحديد شائعة بين الفتيات بسبب الحمية، أو ضعف الوعي، أو انعدام الأمن الغذائي . - الحمل المبكر دون تحضير صحي
يزيد الحمل من احتياج الجسم للحديد، وإن لم تكن الفتاة بصحة جيدة أو لديها مخزون كافٍ من الحديد، تتعرض لمضاعفات خطيرة لها وللجنين . - الضغط الاجتماعي والنفسي
الإرهاق المستمر، ضعف التركيز، والمزاج المتقلب نتيجة فقر الدم قد يُساء تفسيرها كـ “كسل” أو “مزاجية”، مما يعزز تجاهل المرض .

الأعراض التي لا يجب تجاهلها
- تعب مستمر دون سبب واضح .
- شحوب في الوجه والشفاه .
- ضعف القدرة على التركيز أو التحصيل الدراسي .
- تساقط الشعر، هشاشة الأظافر .
- دوخة أو صداع متكرر .
- خفقان القلب عند بذل جهد بسيط .
- برودة في اليدين والقدمين .
- اضطرابات في النوم أو المزاج .
غالبًا ما تتأقلم الفتاة مع هذه الأعراض وتظن أنها “طبيعية”، ما يؤخر التشخيص والعلاج .
فقر الدم وتأثيره على الدماغ والنمو العقلي
الحديد عنصر أساسي في تطور الدماغ ووظائف الأعصاب. نقصه يؤدي إلى :
- بطء في التعلم والتحصيل الدراسي .
- ضعف في التركيز والانتباه .
- تغيّرات في المزاج والسلوك (مثل الاكتئاب أو القلق) .
- اضطرابات عصبية عند الجنين في حال حدوث الحمل .
وفي حالات الحمل، يرتبط نقص الحديد بزيادة خطر الإصابة :
- باضطرابات طيف التوحد .
- بالإعاقة الذهنية .
- بنقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) .
التشخيص والفحوصات الضرورية
- تحليل الهيموغلوبين (Hb): للكشف عن وجود فقر الدم .
- تحليل الفيريتين : لقياس مخزون الحديد في الجسم (أدق من الهيموغلوبين).
- تحليل تشبع الترانسفيرين (TSAT): في حالات الالتهاب المزمن .
يجب أن تُجرى هذه الفحوصات بانتظام للفتيات منذ بدء الدورة الشهرية وطوال حياتهن الإنجابية، خاصة في حالات التالية :
- الدورة الغزيرة .
- الحمية القاسية .
- التعب المستمر .
- عند التخطيط للحمل .
العلاج : خطوات بسيطة تنقذ الصحة
أولًا: تعديل النمط الغذائي
- الإكثار من الأغذية الغنية بالحديد :
اللحوم الحمراء، الكبدة، السبانخ، العدس، الحمص، البقوليات . - تناول فيتامين C مع الحديد لتحسين الامتصاص .
- تقليل شرب الشاي والقهوة مع الوجبات (تقلل الامتصاص) .
ثانيًا: المكملات الغذائية
- الحديد الفموي : العلاج الأساسي في الحالات الخفيفة والمتوسطة .
- الحديد الوريدي : في حالات فقر الدم الشديد أو الحمل المتأخر .
- مكملات B12 وحمض الفوليك إذا دعت الحاجة .
يُنصح بتناول الحديد يومًا بعد يوم لتقليل الأعراض الجانبية وتحسين الامتصاص .
مخاطر إهمال فقر الدم لدى الفتيات
- انخفاض التحصيل الدراسي والأداء الذهني .
- اضطرابات هرمونية وتأخر النمو .
- مشاكل في الحمل والولادة لاحقًا .
- مضاعفات بعد الجراحة .
- ضعف المناعة، العدوى المتكررة .
- الاكتئاب والتوتر المزمن .
دور الأسرة والمجتمع
- دعم الفتاة نفسيًا وغذائيًا .
- كسر الوصمة حول الدورة الشهرية والنزيف الغزير .
- نشر الوعي بفحص الحديد كفحص روتيني .
- دمج موضوع نقص الحديد في برامج المدارس والجامعات .
خاتمة
فقر الدم لدى الفتيات ليس مجرد حالة طبية، بل تحدٍّ اجتماعي وصحي ونفسي يجب التعامل معه بجدية .
دائما نقول الكشف المبكر والعلاج المناسب يضمن للفتيات نموًا صحيًا، قدرة ذهنية عالية، ومستقبلًا إنجابيًا سليمًا .
من مسؤوليتنا كمجتمع أن نرفع الوعي ونكسر الصمت حول هذا المرض الصامت .
المرجع :
اترك تعليقاً