
………….قصص خيالية مستوحاة من عمق الواقع
فقاعات المشاعر
في صباحٍ هادئ، جلست سحر أمام نافذتها تتأمل السماء الرمادية، والذي يعكس ما تكنه بداخلها .
الهواء كان ساكنًا، لكنه يحمل في طيّاته شيئًا غريبًا… كأن المشاعر نفسها تنتظر أن تنفجر .
تسللت أشعة خفيفة من الضوء إلى الغرفة، وانعكست على مرآتها، فظهرت فقاعات صغيرة تلمع كحبات الضوء .

تقدّمت سحر بخطوات مترددة نحوها، وعندما مدّت يدها لتلمسها، سمعت صوتًا مألوفًا، دافئًا، يهمس :
لا تخافي ،، الفقاعات لا تنفجر إلا إذا كنتِ مستعدة لتعرفي ما بداخلها .
استدارت بسرعة، لتجد تيرا، بثوبها الأبيض الشفاف، تقف بعيداً في ركن الغرفة .
ابتسمت تيرا وقالت بلطف : مرحباً يا سحر ،، ما بكِ أراكِ محاطة بمشاعر تحاولين تجاهلها .
جلست سحر على طرف السرير وهمست :

أحيانًا أشعر أن كل شيء داخلي متشابك، حزن، تعب، فرح قديم، خوف من القادم، كلها تسبح حولي كفقاعات، لكني لا أجرؤ على لمسها .
ابتسمت تيرا وهي ترفع بيدها فقاعة شفافة، تتبدل ألوانها بين الوردي والأزرق، وقالت :
كل فقاعة هي شعور مرّ في حياتك، لم يُفهَم بعد . عندما تفتحينها، لا ينفجر الألم، بل يتحرّر .

فقاعة :“الخوف من الرفض”
تقدمت سحر نحو فقاعة رمادية صغيرة .
حين لامستها، انفتحت داخلها صورة من طفولتها، يوم كانت تخشى أن ترفع يدها في الصف خوفًا من أن تخطئ، ويوم كانت تهرب من حصة القراءة بسبب تنمر معلمتها وصديقاتها لأنها تُتأتيء … دمعت عيناها .
قالت تيرا :
ليس الرفض ما يؤلم، بل فكرة أنكِ لستِ محبوبة . لكنك كنتِ دائمًا محبوبة .
ابتسمت سحر بخفة، وكأن جزءًا منها تصالح مع ذلك الصوت القديم بداخلها، وتحرر منه .

فقاعة : “الغضب المكبوت”
الفقاعة التالية كانت بالون برتقالي دافئ .
وحين اقتربت منها ومستها، خرجت منها صور لأيامٍ لم تتكلم فيها رغم الظلم، لأوقات كتمت فيها غضبها كي لا تخسر أحداً .
قالت سحر بصوتٍ مرتجف : كنت أظن أن الهدوء يعني القوة .
ابتسمت تيرا : الهدوء جميل، لكن القوة الحقيقية أن تعبّري قبل أن تختنقي . الغضب رسالة، وليست خطيئة .

فقاعة : “الحنين”
الفقاعة البنفسجية دارت حول سحر ببطء .
في داخلها رأت أصدقاء رحلوا، أماكن تغيّرت، ونسخةً منها كانت تضحك بلا تردد .
قالت تيرا : الحنين لا يعني أنكِ لم تتقدمي، بل يعني أن قلبك ما زال ممتنًا لما كان، والإشتياق الذي تشعرين به هو أمر طبيعي .
أغمضت سحر عينيها، وابتسمت ممتنة لتلك الذكريات .

فقاعة : “السكينة”
كانت الأخيرة والأصغر ، بالون أزرق فاتح كسماء الفجر .
عندما وضعت سحر إصبعها على الفقاعة، لم يظهر مشهد كما سبق، بل شعور .
شعرت بخفة في صدرها، كأن قلبها تنفس بعد صمتٍ طويل .
قالت تيرا بهدوء : هذه ليست فقاعة، بل أنتِ.. بعد أن تصالحتِ مع مشاعرك يا سحر .
وقفت سحر أمام المرآة، ونظرت إلى نفسها بصدقٍ لم تعهده من قبل .
لم تعد المشاعر تختبئ في فقاعات،، بل صارت جزءًا منها، تسكنها وتمنحها عمقًا وجمالًا .
تقدمت تيرا نحو النافذة، والضوء يزداد نقاءً .
التفتت إلى سحر وقالت بابتسامة وداع :
حين تفهمين مشاعرك، لن تعودي بحاجةٍ إليّ. ستسمعين صوتكِ أنتِ، وسوف تعرفين الطريق .
اختفت تيرا بين خيوط الضوء، وبقيت سحر بمفردها، لكنها لم تشعر بالوحدة هذه المرة .
كانت تعرف أن تيرا لم تذهب تمامًا لقد صارت تسكن في داخلها، وفي داخل كل بنت، فكل شعور مرَّ بك كان رسالة، وكل دمعة كانت بابًا للسلام .
تيرا تعني أن كل أنواع المشاعر التي تمرّ بها كل فتاة ،، هي مجرد رسائل مبطنة تنبع من الداخل، هي الهاتف الخفي الذي يشعرك بأن هناك أمراً،، فلابد لكِ أن تتوقفي .
حين لمست سحر آخر فقاعة، شعرت بشيءٍ يتغير في داخلها ،، لم تعد المشاعر تهاجمها، بل صارت تفهمها .
ذلك القلق الذي كان يسكنها في لياليها، والخوف من التغيّر ، والارتباك الذي يصيب كل فتاة حين يبدأ جسدها في التحوّل .
حينها أدركت سحر أن التغيرات لم تكن عدوًا، بل رسائل من جسدها تطلب أن تُسمع .
ابتسمت تيرا وقالت بهدوء : الآن تسمعينه، أليس كذلك ؟
أومأت سحر : نعم، أسمع نداءً يشبه صوتي .
ابتسمت تيرا للمرة الأخيرة، ثم تلاشت مع الضوء .
وبقي النداء يهمس في أعماق سحر ، كصوتٍ خفيٍّ ستحمله كل فتاة من بعدها…
الصوت الذي سيحكي الحكايات القادمة .








اترك تعليقاً