لماذا نغضب من عائلاتنا رغم أنهم أكثر من يحبنا؟!

هل أحسستي أن أوامر أمك مجرد قيود، ونصائح أبيكِ دروس مملة، وشقاوة إخوتك إزعاج لا ينتهي


هل تشعرين أن العالم ضدّكِ؟!

هل جلستِ يوماً في غرفتكِ، والأفكار تتصارع في رأسكِ، ودموعكِ تنهمر لأن أمكِ منعتكِ من الخروج ؟

أحسستي أن أوامر أمكِ مجرد قيود، ونصائح أبيكِ دروس مملة، وشقاوة إخوتكِ إزعاج لا ينتهي، وقد تكونين غاضبة فالعائلة كلّها تتدخل في حياتك ،وتمنيتِ لو أن والديكِ يفهمانكِ أكثر، وربما تشعرين أنكِ “الضحية ” في هذه الدوامة العائلية، وقد ترغبين في العزلة لتكوني وحدكِ مع أفكاركِ .

كلنا مررنا بهذا الشعور في هذه المرحلة المليئة بالمشاعر المتقلبة، هذا أمر طبيعي تماماً في مرحلة الاكتشاف وبناء الذات، حيث يتغير تفكيركِ وتصبح الصديقات محور اهتمامكِ، قد تجدين بين الصديقات ملاذاً آمناً ومن يُصغي دون حكم، لكن هناك شعور عميق بالانتماء لا يمكن لأي صداقة أن تملأ مكانه، إنه سند العائلة وعزوتها. هذا السند هو القوة التي تدفعكِ وتدعمك .

في هذا المقال، سنُلقي الضوء على الكنز الحقيقي الذي ربما لم تنتبهي لوجوده بعد : عائلتكِ . استعدي لتري الأمور من منظور مختلف تماماً .

 عائلتك مأواكِ الآمن …[ ليست مثالية، لكنها الأصدق دائمًا ]

عائلتك ليسوا مجرد أشخاص تسكنين معهم تحت سقف واحد، إنهم مكانك الآمن الذي يحتضنك ويحبكِ وتعودين إليه دائمًا، مهما ابتعدتي وتغيّر العالم من حولكِ .

قد لا يكون كل شيء بينهم مثاليًا دائمًا، لكن ثمة شيء لا يتغير أبدًا. حبهم الصادق والغير مشروط، هم الدفء الذي يخفف برد الأيام، وصوت الضحكات المشتركة حول مائدة الطعام. كل هذا لا يقدّر بثمن. إنها المساحة الوحيدة التي يمكنكِ أن تكوني فيها على طبيعتكِ دون تجميل أو خوف من الحكم . خلف كل تصرف قد لا تفهمينه منهم، يسكن حب عميق لا يُقال بالكلمات، بل يُترجم بالأفعال .

“لو علمتِ كم يحبكِ والداكِ بصمت… لبكيتِ امتنانًا”

الأمومة، أعمق مشاعر الكون وأصدقها 

الأمومة أسمى حب على الأرض، أمك من تخاف عليك وتحبك أكثر من نفسها، أمك ليست خصمكِ، بل درعكِ الحامي. قد تظنين أحياناً أنها تبالغ في خوفها ونصيحتها ولكن في الحقيقة هي ترجمة صامتة لحب كبير أكثر مما تتصورين، تحاول بطريقتها حمايتكِ بخبرتها من أخطاء مرت بها. حين تغضبين من أمك!، تذكري : هي لا تغلق باباً، بل تفتح لكِ طريقاً أكثر أماناً. وسيأتي يوم، حين تصبحين أمًّا، وتنظرين إلى ابنتكِ بعينٍ مليئة بالخوف والحب في آنٍ واحد، حينها فقط ستبتسمين وتقولين : “الآن فهمت أمي… كانت على حق دائمًا”

الأب، الأمان والسند 

نعم إنه قوتك وسندك، يتعب ويفكّر، فقط لتعيشي أنتِ مرتاحة وسعيدة. قد تظنين أنه صارم أو شديد، لكنه يفعل ذلك بدافع الحماية . وربما لا يقول لكِ “أحبكِ” صراحةً، لكنه يقولها كل يوم بطريقته : حين يقلق عليكِ ويوفّر لكِ ما تحبين و.. ، إن وجوده في حياتكِ نعمة كبيرة، فاحرصي على أن تعبّري له عن حبكِ وامتنانكِ ولو بكلمة صغيرة أو رسالة لطيفة . 

تعوَّدي أن تقولي لوالدكِ ببساطة : “شكراً يا أبي على تعبك من أجلنا”  قد لا يُظهر تأثره، لكن صدقيني… ستبقى الكلمة في قلبه طويلًا .

الإخوة والأخوات، ضجيج البيت الجميل

 إخوتك رفقاء طفولتكِ وشبابكِ، ومخزن أسراركِ هم صُنّاع الذكريات وضجيج البيت الجميل. مشاكساتهم تبني مرونة في شخصيتكِ. هم عزوتك وأول من يساندكِ ويدافع عنكِ ويحتويك، وأول من يفرح لفرحك ويشعر بحزنكِ دون أن تتكلمي، قد لا تدركين الآن كم هو ثمين وجودهم، لكنكِ حين تغادرين بيت العائلة يومًا ستشتاقين لهذا الضجيج الجميل، وستكتشفين كم كان وجودهم حولكِ يعني الأمان والمرح والدفء، لذلك حين تشعرين بالغضب من أحد إخوتكِ، لا تدعي مشاعرك تقودكِ، فقد يكون أخوكِ يمازحكِ لأنه لا يعرف كيف يقول “أنا أحبك”. 

حين غادرتُ البيت، أدركتُ كم أحبهم

كانت سارة دائمًا تشعر أن أمها تكثر من التوبيخ، وأن والدها لا يفهمها. كانت تكتب في دفترها كل يوم : “أتمنى أن يكفّا عن التدخل في حياتي”! ، ومرت السنوات، وسافرت سارة للدراسة بعيدًا.

في أول ليلة وحدها، فتحت الدفتر القديم وقرأت ما كتبته، ثم بكت طويلًا. فقد أدركت فجأة أن كل ما كانت تراه “تحكمًا” كان حبًا نقيًا . 

اتصلت بأمها وقالت لها باكية :  “ماما، اشتقت لتوبيخكِ… اشتقت لكل شيء”.

فضحكت الأم وقالت : “وأنا كنتُ أدعو لكِ كل ليلة”.

فائدة من قصة ساره :”  لا تكتشفي قيمة العائلة بعد فوات الأوان، عبّري عن حبكِ الآن… قبل أن يمر الوقت” .

كيف تعبرين عن حبكِ لعائلتكِ؟!

التعبير عن الحب لا يعني فقط قول “أحبكِ” – رغم أن الكلمة جميلة جدًا – بل يعني أن تفعلي أشياء صغيرة تصنع أثرًا كبيرًا، وهناك ألف طريقة لتقولي “أحبكم” :

  1. بالكلمة قوليها ببساطة : ابتسمي لأمكِ، احضنيها، وقولي : “أحبكِ يا أمي” لن تتخيلَي كم ستُسعدها الكلمة. قولي“أفتخر بك يا أبي”، “اشتقت لك يا أختي”. الكلمة الصغيرة تصنع أثراً كبيرًا .
  2. بالفعل : اشربي القهوة مع أبيكِ واستمعي لحديثه وتفاعلي معه. أو ساعدي أمك في شيء وإن كان بسيط . أو بأن تشاركي أختكِ أسراركِ أو تساعدي أخاكِ في دراسته… وغير ذلك كثير .
  3. اشكري والديكِ على الأشياء الصغيرة التي يفعلانها دون أن يُذكّراكِ بها .
  4. بالكتابة : إن كنتِ خجولة، اكتبي لهم رسالة عن مشاعرك، حتى لو لم تعطيها لهم، اكتبي عن اللحظات العائلية الجميلة التي عشتِها. هذه الكتابة ستريح قلبك وتساعدكِ على فهم مشاعركِ وتعلمك التعبير عنها، وقد تعطيكِ الشجاعة لتشاركيها لاحقاً .
  5. سامحي أولاً وبسرعة : ولا تجعلي الغضب يسكن بيتكِ، وعندما يحدث خلاف، بادري بالصلح . وتذكّري أن الحب العائلي لا يُقاس بعدد الخلافات، بل بعدد المرات التي سامحتم فيها بعضكم .
  6. دعي العناق والأحضان وسيلتكِ اليومية للتواصل واجعلي التعبير عن المحبة بينكم عادة تكتسبها العائله مع الوقت والاستمرار .

وتذكّري دائمًا …الوالدان أحيانًا يخجلان من التعبير المباشر، لكنّهما يُظهران حبهما بطريقتهما الخاصة، بطبق طعامكِ المفضل، أو بسؤال “هل نِمتي جيدًا؟”، أو بتوفير ما تحبين دون أن تطلبي .

أجواء البيت الجميلة، كيف تصنعينها ؟!

يمكنكِ أن تكوني روح البيت الجميلة. كوني المبادِرة في نشر البهجة والضحك. ابدئي صباحكِ بابتسامة وكلمة طيبة، وساعدي في صنع أجواء مريحة. وخصصي “وقتًا عائليًا” ولو لعشر دقائق يوميًا بعيدًا عن الهواتف، اجلسي فيها مع عائلتكِ، تحدّثوا، اضحكوا، تذكّروا المواقف القديمة، فكل هذه اللحظات الصغيرة هي التي تبني البيت الدافئ الذي تتمنينه. وإذا شعرتِ يومًا بالحزن أو الوحدة، تذكّري أن عائلتكِ موجودة دائمًا، قد لا يفهمونكِ تمامًا، لكنهم لا يتوقفون عن حبكِ أبدًا . ستكبرين وتتعلمين أن لا شيء في العالم يساوي لحظة دفءٍ مع أمكِ، أو ضحكةٍ مع إخوتكِ، أو دعوةٍ من والدكِ .

واخيراً تذكّري ،، كم من فتاةٍ فقدت والدتها أو والدها أو اخوتها وتمنت لو عاد بها الزمن لتقول كلمة شكرٍ أو قبلة حبٍّ قبل فوات الأوان ؟

احمدي الله على نعمة وجودهم اليوم، قبل أن تصبحي مثلهم تتمنين لحظةً واحدة أخرى معهم. للأسف، الكثيرون لا يدركون قيمة هذه النعم إلا بعد فقدانها .

لا تنتظري ، لا تؤجلي، اسعدي مع عائلتك اليوم، لا تتركي للحياة أن تمر دون لحظات دفء صادقة، واجعلي التعبير عن المحبة بينكم عادة وأسلوب حياة!


المراجع :

  • المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية (2024). العلاقات الأسرية وأثرها في الصحة النفسية للمراهقين. وزارة الصحة السعودية .
  • UNICEF (2023). Supporting Adolescents’ Mental Health through Family Connection.
  • كتاب علم نفس النمو (الطفولة والمراهقة) / د. حامد زهران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المزيد من المقالات قد تكون مهتمًا أيضًا بـها ،،