زيادة الوزن عند الفتيات وتأثيرها على الصحة والبلوغ : ما الذي تقوله الدراسات الحديثة ؟
تُعد سمنة الأطفال والفتيات في سن البلوغ من أكثر القضايا الصحية إثارة للقلق في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط لأنها تمهّد لأمراض مزمنة كداء السكري وأمراض القلب، بل لأنها تؤثر أيضًا على نمو الفتيات ودخولهن في مرحلة البلوغ .
ففي العقود الأخيرة، لاحظ الباحثون أن الفتيات اللواتي يعانين من زيادة الوزن غالبًا ما يبدأون البلوغ في عمر أصغر من المعتاد .
لكن ما السبب وراء ذلك ؟ وما العواقب الصحية المحتملة ؟ هذا ما سنستعرضه في هذه المقالة بناءً على أحدث الدراسات العلمية .
أولًا : زيادة الوزن أصبحت ظاهرة عالمية
تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن معدلات السمنة بين الأطفال تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 1975.
وفي الولايات المتحدة، يُعد أكثر من 18% من الأطفال والمراهقين مصابين بالسمنة — وهي نسبة تعكس خطرًا متزايدًا للإصابة بمشاكل في الهرمونات والنمو .
السمنة ليست مجرد رقم على الميزان؛ إنها اضطراب أيضي (Metabolic disorder) يؤثر على الهرمونات التي تتحكم في النمو والبلوغ .
ثانيًا : كيف ترتبط السمنة ببدء البلوغ المبكر عند الفتيات ؟
يُعتبر البلوغ مرحلة انتقالية معقدة تبدأ عندما يبدأ الدماغ بإفراز هرمون (GnRH) الذي ينشّط بدوره الغدة النخامية والمبيضين لإنتاج الهرمونات الجنسية الأنثوية مثل الإستروجين .
لكن عند الفتيات البدينات، يحدث شيء مختلف الدهون الزائدة تعمل كـغدة صماء نشطة، تفرز هرمونًا يُسمّى اللبتين (Leptin)، وهو المسؤول عن إرسال إشارة للدماغ بأن الجسم يمتلك طاقة كافية لبدء البلوغ .
ومع ارتفاع مستويات اللبتين، يبدأ الدماغ بإطلاق إشارات البلوغ في وقت أبكر من الطبيعي .
هذا يعني أن السمنة قد تكون محفزًا مبكرًا لبداية الدورة الشهرية وتطور الثديين .
ثالثًا : ليست كل الحالات متشابهة
رغم هذا الترابط الواضح، إلا أن الدراسات تؤكد أن العلاقة بين السمنة والبلوغ ليست بسيطة .
فبينما تُظهر معظم الفتيات البدينات علامات بلوغ مبكرة، فإن توقيت البلوغ عند الأولاد البدينين لا يتبع نفس النمط — بل قد يتأخر لديهم .
كما أن بعض الدراسات حذّرت من أن زيادة الدهون في منطقة الصدر قد تؤدي إلى تصنيف خاطئ للفتيات قبل البلوغ على أنهن بدأوا مرحلة البلوغ فعليًا، لأن التمييز بين الدهون وأنسجة الثدي الحقيقية قد يكون صعبًا .
رابعًا : ماذا عن العوامل الأخرى ؟
بالإضافة إلى السمنة، هناك عوامل أخرى قد تؤثر على توقيت البلوغ، مثل :
- الوضع الاجتماعي والاقتصادي (SES) :
تشير الأبحاث إلى أن الفتيات من الأسر ذات الدخل المنخفض أو اللاتي تعرضن لضغوط نفسية وبيئية أكبر قد يدخلن البلوغ مبكرًا . - العوامل الوراثية والبيئية :
التعرض في مرحلة الحمل أو الطفولة إلى مواد كيميائية مخلّة بالغدد الصماء (EDCs) مثل بعض العطور قد يغيّر من توازن الهرمونات ويُسرّع البلوغ . - النظام الغذائي ونمط الحياة :
تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات، مع قلة النشاط البدني، يضاعف خطر السمنة وبالتالي اضطراب التوازن الهرموني .
خامسًا : التأثيرات الصحية والنفسية للبلوغ المبكر
قد يبدو البلوغ المبكر أمرًا طبيعيًا في البداية، لكنه في الواقع يرتبط بعدة مخاطر طويلة الأمد، منها :
- زيادة خطر متلازمة تكيس المبايض (PCOS) في المستقبل .
- اضطرابات في الدورة الشهرية والخصوبة .
- مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب وضعف الثقة بالنفس .
- زيادة احتمال الإصابة بـالسرطانات المعتمدة على الهرمونات مثل سرطان الثدي والرحم لاحقًا .
لذلك، فإن الوقاية من السمنة في مرحلة الطفولة ليست فقط وسيلة لحماية القلب والتمثيل الغذائي، بل أيضًا استثمار في التوازن الهرموني والصحة الإنجابية للفتيات .
سادسًا : كيف يمكن الوقاية من السمنه ؟
- اتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة .
- الحد من المشروبات السكرية والأطعمة المصنعة .
- تشجيع النشاط البدني اليومي ولو لمدة 30 دقيقة يوميًا .
- توعية الأهل والمعلمين بأهمية المراقبة الصحية والنفسية للفتيات في سن المدرسة .
- الابتعاد عن المواد الكيميائية المخلّة بالغدد الصماء مثل بعض أنواع البلاستيك والعطور .
وفي الختام
تؤكد الدراسات الحديثة أن السمنة في مرحلة الطفولة قد تعجّل بالبلوغ لدى الفتيات، نتيجة تداخل معقد بين الهرمونات والعوامل البيئية والاجتماعية .
لكن الخبر الجيد هو أن الوقاية ممكنة — من خلال الوعي المبكر، والنظام الغذائي الصحي، والنشاط البدني المنتظم .
فالحفاظ على وزن صحي في الطفولة لا يقي فقط من الأمراض المزمنة، بل أيضًا يضمن نموًا هرمونيًا طبيعيًا وصحة إنجابية أفضل في المستقبل .
المرجع :
National Library of Medicine








اترك تعليقاً