الهاتف الخفي والمفاتيح المضيئة 

سلسلة  قصصية


الهاتف الخفي والمفاتيح المضيئة

………….
 المقدمة

الهاتف الخفي
والمفاتيح المضيئة 

في مكان ما بين الواقع والخيال. هناك هاتف لا يراه الجميع،

هاتف لا يعمل بالكهرباء، ولا يحتاج إلى شبكة .

إنه الهاتف الخفي

لا يرن إلا في لحظات صمتك العميق، عندما يشتد الصراع بداخلك،

أو حين يثقل قلبك بأسئلة لا تملكين لها جوابًا .

وعندما ترفعين السماعة، تسمعين صوتًا مألوفًا، لكنه مختلف :

صوتك أنتِ من زمن آخر . صوتكِ القادم ليهمس لكِ :

الفشل ليس نهاية الحياة، وخيبة الأمل ليس ضعفًا .

والمقارنة تكسر صورتك، واستقلالك لا يعني الوحدة، بل القوة .

هذه هي طبيعة الهاتف الخفي ،، 

الذي لن تسمعه إلا من لديها القدرة والرغبة في الإصغاء لصوتها الداخلي،

صوت الحقيقة .

فكل حلقة من هذه السلسلة هي مكالمة مختلفة، ورسالة صغيرة،

ووصية تُضيء الطريق في مرحلة حساسة من العمر : بين 18 و 24 .

مرحلة تبحث فيها الفتاة عن ذاتها، وتصارع مخاوفها،

وتحاول أن ترسم ملامح حياتها بوعي وثبات .

ولأن كل فتاة تسمع هذا الهاتف بطريقة مختلفة  

كانت أول فتاة تسمع رنين الهاتف الخفي، فتاة واعية،

تقف على حافة الانتقال بين طفولتها ونضجها، تبحث عن إجابة واحدة تشبهها .

تبدأ حكايتنا الأولى
مع فتاة حالمة لم تكن تتوقع أن يتغيّر عالمها برنة واحدة فقط

 ففي غرفة هادئة مضاءة بأنوار خافتة، إجتمعت إمرأة أنيقة يبدو عليها الوقار والحكمة من عالم المستقبل، وبين يديها قلمها الثمين الممتلئ بالخبرة والقوة، وفي يدها الأخرى سماعة هاتف قديم، وهي تهمس بصوت خافت لا يكاد يسمع، للفتاة الحالمة من عالم الحاضر وهي تحمل أيضا سماعة هاتف مشابهة، ويبدو عليها الذهول وهي تحدق بعينين تمتلئ بالدهشة عند سماعها ذاك الهمس والذي لن يفهمه أحد غيرها .

الهاتف،، لم يكن عاديًا، بل هاتف يصل بين الإنسان وذاته الخفية بين عالمين مختلفين،

بين الحاضر والماضي، بين ما قد قيل وما لم يُقال .

سمعت الفتاة الحالمة ذلك الصوت الهادئ من سماعة الهاتف : 

هل تسمعينني يا فتاتي ؟ أنا أحدثك .. لكن بعد سنوات طويلة .

ارتجفت الفتاة الشابة وقالت : 

صوتك يشبه صوت أمي لكنكِ لستِ هي، من أنتي؟؟

ضحكت المرأة وقالت : أنا لست أمك، بل أنا أنتي .. أنا صوتك من المستقبل.

أتيت عبر هذا الهاتف السري لأعطيكِ وصية، قبل أن تضيعي في زحام الحياة .

سكتت قليلًا المرأة ثم همست بصوت شجي هادئ :

 إياكِ أن تسمحي للخوف أن يسكتك، 

أو أن يرسم لكِ أحد حياتك وحدودك . 

وإياك والهروب من كل ما يعترضك أو يحيرك .. إسألي وافهمي وتعلمي .

احملي قلبكِ الصغير كما هو :

نقيّ صافي، مليء بالدهشة، باحث عن المعرفة والإبداع والقدرة على التفكير،

لا تدفنيه تحت ركام الكلمات الجارحة، أو المواقف المحرجة .

وتذكري دائمًا .. أن كل دمعة منك اليوم ،، لها ثمن غالي غدًا،

لأنها ستتحول إلى لؤلؤة في عقد قوتك التي تملكينها .

المفاجأة التي تعرضت لها الفتاة لم تكن في الكلمات التي سمعتها، بل في الهاتف نفسه .

فمع كل كلمة قالتها المرأة، كان ينبعث من سماعة الهاتف وميض لامع

يتشكل في الهواء أمام الفتاة على هيئة مفاتيح صغيرة، كل مفتاح يحمل كلمة : 

شجاعة ـ صبر ـ حب ـ إيمان ـ علم ـ تعلم ـ دهشة ـ حيرة ـ مرض ـ نجاح ـ فشل … ولن تنتهي المفاتيح .

مدّت الفتاة يدها، أمسكت بأحد المفاتيح، فشعرت بحرارة غريبة تسري في جسدها،

يصل إلى قلبها، كأنها امتلكت سلاحًا سريًا لمواجهة الحياة .

انتهت المكالمة، وأغلقت الفتاة الصغيرة الهاتف ببطء، لكنها لم تعد الطفلة نفسها . 

لقد امتلكت جزءًا من قوتها القادمة، وكتبت في دفترها الصغير :

في ذات يوم، كل ما سوف أكونه، وكل ما سأتعلمه، قد بدأ من هنا، 

من هاتف خفي ربطني بذاتي المستقبلية .

فهل ستردّين على رنين هذا الهاتف ؟


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *