دعوني أبهركم أنا موجودة (3)

54

………….الفصل الثالث

خطوات نحو البلوغ

از زز

تستيقظ جوانا كعادتها كل صباح قبل شروق الشمس، وتحرص على بدء يومها بطاقة إيجابية تملؤها قوة داخلية تستمدها من أنفاس الصباح الندية .

جوانا تدرك أن الصحة ليست في الجسد القوي فقط بل يزينه عقلاً سليماً متيقظ، وذهن حاضر، لذلك تواظب على تناول إفطار صحي وفي وقت مبكر .

وعند استعدادها للخروج من منزلها، دارت في ذهنها أفكاراً كثيرة حول الموضوع الذي ستشارك به في الحفل المدرسي، لتعرضها وتناقشها مع معلمتها .

وبخطى واثقة ممتلئة بالهمة والسعادة تذهب إلى مدرستها التي تحبها، لأنها عالمها ومصدر إلهامها، تجد فيها بيئة داعمة تساعدها على التعلم والإبداع، تجمع بين العلم والمعرفة والأنشطة المتنوعة .

وبعد الانتهاء من الطابور الصباحي، توجهت إلى المكتبة للتحدث مع معلمتها، وفي أثناء سيرها بين أروقة الفصول سمعت صوت بكاء مكتوم مصحوب بأنين خفيف بالكاد يسمع، يصدر من غرفة الأنشطة، ازداد الصوت أكثر فأكثر، أسرعت جوانا بالدخول إليها، فوجدت فتاة صغيرة تجلس على الأرض تختبئ خلف المنضدة تضم ذراعيها حول نفسها واضعة رأسها على ركبتيها محاولة تخفيف ألمها، فاقترَبت منها بهدوء .

جوانا : ما الأمر؟ هل حدث شيء يؤلمك ؟ يبدو عليك تعب شديد .

الفتاة (بصوت مخنوق متألم): “آه، أشعر بألم حاد في بطني وأسفل ظهري، وبخروج شيئٍ مني .. لا أعرف ماذا أفعل، أنا خائفة ومحرجة، وقد اتسخت ملابسي .

جوانا : لا تقلقي، أفهم تمامًا ما تمرين به إنها دورتك الشهرية ؟ ويبدو أنها تجربتك الأولى، أليس كذلك ؟

الفتاة : نعم! لكنني لا أعرف ما الذي يحدث لي ؟ وكيف أتعامل مع هذا الوضع ؟ أنا خائفة وأشعر بالخجل حتى من التفكير في الأمر، ولا أستطيع أن أخبر أحدًا .

لقد بدا واضحاً على الفتاة القلق والإحراج الشديد مما يحدث لها، فانهالت على جوانا بالأسئلة، ولم يكن من جوانا إلا أن سكَّنت من روعها وأجابت على أسئلتها .

جوانا : عزيزتي، أرجوكِ اهدئي، إنه أمر طبيعي، فلا تقلقي .

الفتاة : إنني أتألم بشدة .

جوانا : إن الألم الذي تشعرين به هو مجرد تقلصات بسبب الدورة الشهرية، وهي عملية جسدية وهرمونية طبيعية تحدث لكل النساء .

الفتاة : وهل سيزول هذا الألم ؟

جوانا : بالطبع سيزول .. في البداية ألم في البطن والظهر، ثم يحدث النزيف، وهو دم الحيض، وهذا ما تشعرين به الآن .

لا داعي للخوف، فقط تحتاجي إلى الراحة والعناية بنفسك في هذه الفترة .

الفتاة : لكنني لا أعرف كيف أتعامل مع هذا الوضع، وأنا أشعر بالخجل الشديد من أن أسأل أحدًا .

جوانا : لا تقلقي على الإطلاق، سأشرح لك ما يجب عليكِ فعله .

أولًا، عليكِ باستخدام الفوط الصحية، لتفادي خروج النزيف .

ولابد لك من تغييرها باستمرار لتجنب أي مشكلات صحية، ولا تهملي الاهتمام بنظافتك الشخصية، والاستحمام بانتظام .

الفتاة : لكن، هذا الألم شديد جدًا، كيف يمكن تخفيفه ؟

جوانا : يمكنك تناول المسكن المناسب لك، وتناولك مشروبات دافئة تساعدكِ على تخفيف الألم، كذلك ضعي كمادات دافئة على بطنك وأسفل ظهرك سيريحكِ كثيراً .

جوانا : يمكنك تناول المسكن المناسب لك، وتناولك مشروبات دافئة تساعدكِ على تخفيف الألم، كذلك ضعي كمادات دافئة على بطنك وأسفل ظهرك سيريحكِ كثيراً .

الفتاة : هل يجب علي إخبار والدتي ؟ إنها لا تتحدث معي عن هذه التغيرات الجسدية، وأشعر بالحرج من التحدث معها في هذا الموضوع .

جوانا : نعم بالتأكيد! يجب أن تخبري والدتك، ولا داعي للحرج، ستكون متفهمة أكثر مما تتوقعين، وسوف تدعمك في هذه التجربة .

واعلمي أن الدين الإسلامي يخفف عن المرأة الحائض في هذه الفترة الصلاة والصوم رحمةً بحالتها البدنية والنفسية .

الحيض يستمر عدة أيام ويختلف من فتاة لأخرى، لكن هذه فترة مؤقتة، وعند إنتهائها تغتسلي وتعودي لحياتك العادية .

الفتاة : شكرًا لك، الآن أشعر أنني فهمت الأمور بشكل أوضح .

ربما كان خجلي هو الحاجز بيني وبين والدتي، لكنني لا زلت أشعر ببعض التوتر .

جوانا : التوتر طبيعي في البداية . ولكن من الضروري أن تسألي وتتعلمي .

سأجلب لك الفوط الصحية الآن، سنتصل بوالدتك كي تصحبك للمنزل، انتظريني هنا .

الفتاة : شكرًا لمساعدتك يا جوانا . سأخبر والدتي، ولن أخجل بعد الآن . ليتها أخبرتني عن هذا من قبل .

جوانا : عزيزتي، لا تترددي أبدًا في السؤال إذا واجهتكِ أي صعوبة . لا تخجلي من الحديث، فالكشف عن مخاوفك سيخفف من توترك . نحن هنا لدعمك . تذكري، لستِ وحدك .

بعد مساعدة جوانا للفتاة ذهبت إلى مكتبة المدرسة لتتحدث مع معلمتها، فوجدتها منشغلة بترتيب الأرفف المليئة بالكتب المتنوعة، فأشارت إليها برغبتها في التحدث معها، سمحت لها المعلمة بالدخول .

جوانا : صباح الخير أستاذة نورا

المعلمة : صباح الخير جوانا، تفضلي بالجلوس، كنت في انتظارك منذ الصباح ؟

جوانا : لقد حصل لإحدى الفتيات ما كنت أريد الكتابة عنه، أصبحت لدي فكرة  جديدة  وأود مناقشتها معكِ، كما أود الاستفسار عن بعض الملاحظات التي لفتت انتباهي .

المعلمة : اسألي ماتريدي، هل هو متعلق بموضوع الفتيات ؟

جوانا : نعم، بالتأكيد! ونحن لا نملك الكثير من الوقت، أليس كذلك؟، لكن .. (بدأ التوتر يظهر على ملامحها).

المعلمة : ما الأمر؟ هل حدث شيء يقلقك ؟

جوانا (بتنهيدة خفيفة): إنه ذلك الشعور الذي ينتابني كلما اقتربتُ من تحقيق هدف، وكأن الماضي يلاحقني .

المعلمة : لا أحب سماع هذا الكلام منكِ . تذكري دائمًا، أن كل شيء سوف يمضي، الحياة لن تتوقف من أجل أحد، وعلينا أن نستمر رغم كل شيء، ولابد لك أن تخبري والدتك بما تشعري به .

“تبسمت -جوانا- وهي تسمع نفس النصيحة التي أخبرتها للفتاة الصغيرة”

وقالت : نعم! لا بد من ذلك، شكرًا لكِ، معلمتي .

المعلمة : دعينا نترك الماضي والأحزان جانبًا، فلدينا الكثير من العمل لننجزه .

والآن، أريدكِ أن تكتبي الموضوع بإحساسك، وأتوقع أن تكون مشاركتك مميزة . إذا كنتِ بحاجة إلى مراجع إضافية، لا تترددي في السؤال .

جوانا : هل يمكنني معرفة المزيد عن هذا الموضوع ؟ هل هناك نقاط معينة ترغبين في التركيز عليها ؟

المعلمة : أعتقد أن ما حصل لك مع الفتاة جدير بأن يحفزك لكتابة موضوعك، (البلوغ عند الفتيات)، والتغيرات الجسدية والنفسية التي تحصل لهن، وما هى التأثيرات الخارجية التي ربما يكون لها أثر كبير عليهن .

جوانا :، معلمتي، يبدو أنه موضوع مثير جداً، لكن للأسف! الحديث عنه يسبب حرجًا كبيرًا للفتيات، خاصة إذا لم يكن لديهن معرفة سابقة .

المعلمة : بالطبع، هذا صحيح، الخوض في مثل هذه المواضيع قد يكون محرجًا ليس فقط للفتيات، بل للأمهات أيضًا .

جوانا (بتعجب) : أستطيع أن أفهم خجل الفتيات !! لكن لماذا تخجل الأمهات ؟

المعلمة : هناك أسباب كثيرة يا جوانا، منها قلة الخبرة أو المعرفة، أو ربما تجارب سلبية سابقة، أو ربما ثقافة البيئة، أو الخجل أو الخوف من فقدان العلاقة البريئة مع بناتهن، حيث يعتبر البعض التحدث عن الجسد والتغيرات التي تمر بها الفتاة أمرًا غير لائق التحدث فيه .

جوانا : وكيف يمكن للأمهات تجاوز هذا الحرج ؟

المعلمة : إن الحديث عن البلوغ مع الفتاة يحتاج تثقيف الأم أولاً، ولا بد لها أن تفكر في إحساس الخوف والقلق والألم الذي تعاني منه ابنتها الصغيرة للتخفيف عليها بالتحدث معها، باعتبار أن الحديث عن الجسد والتغيرات الجسدية أمر فطري يحدث لكل النساء .

جوانا : بالتأكيد، لا بد من الاستعداد لهذه المرحلة المهمة، لأنها حاسمة ولها تأثير كبير على الفتاة، وسأبذل قصارى جهدي لأقدم أفضل ما لدي، وأعتقد أن الكتب التي اشتريتها سوف تساعدني في إعداد موضوع متكامل .

المعلمة : رائع! أنا واثقة أنكِ سوف تنجزين عملًا مميزًا، لديك أسبوع واحد فقط لإعداد الموضوع، وإذا احتجتِ لأي مساعدة أو توجيه، فلا تترددي في التواصل معي .

جوانا : شكرًا لكِ، معلمتي! سأبدأ العمل على الفور .

المعلمة : ممتاز! أتطلع لرؤية ما سوف تقدمينه، بالتوفيق!

يتبع 

نادية حسن
WRITTEN BY

نادية حسن

دبلوم في الكتابة الروائية من أكاديمية إيجادة - الدبلوم العالي لإدارة الأعمال - كاتبة فنيات الحوار الروائي -
كاتبة لقصص قصيرة و مقالات وخواطر متنوعة - مشرفة superviso