دقت الساعة السادسة صباحًا، بينما كانت نور تُحاول إخفاء البثور على جبينها بطبقات من “الكريم الأساس“ الذي استعارته من أختها، نظرت إلى المرآة، فلم تعرفْ إن كانت تبكي أم تضحك! ولاسيما أن ملامحها بدأت تتغير وصوتها أصبح مختلفاً، وقد لاحظت ظهور شعر على ساقيها، وفي طريقها إلى المدرسة، شعرت أن كل العيون تلاحقها، حتى الحذاء الرياضي الجديد لم يُخفِ إحراجها!
وبينما كانت تهمّ بالرد على سؤال المعلّمة، انسكب حبر قلمها على يدها، فانفجرت فجأةً في بكاءٍ لا تُسيطر عليه، كأن الكون كله ظَلَمها! .. وفي أثناء حصة الرياضة، طلبت المُعلِّمة من الفتيات الجري حول الملعب، ركضت نور بسرعة، لكنها توقفت فجأة حين لاحظت بقعة حمراء على بنطالها الرياضي..”ماذا لو رآني أحد ؟“ “هل أنا مريضة“، ارتجفت يداها، لكن صديقتها سلمى انحنت بسرعة وربطت سترتها حول خصرها، وهمست : “أنا معكِ، لا تقلقي، فهذا طبيعي!”.
نور لم تفهم كل هذه التغيرات التي تمر بها، لكنها شعرت لأول مرة أنها ليست وحدها، فالبلوغ مرحلة جديدة مليئة بالمفاجآت، لكنها ليست مخيفة كما تبدو .
تعتبر فترة المراهقة مرحلة حيوية في حياتك، تجعلك في حيرة مليئة بالتساؤلات ،حيث تتعرضين لتغيرات جسدية ونفسية متعددة، قد تشعرين أحيانًا بالخجل أو القلق، أو الخوف وعدم الأمان لكن لا داعي لذلك، فالكثير من الفتيات يمررن بنفس التجارب، ولديهن نفس الأسئلة .
في هذا المقال، سنعبر معاً حاجز الخوف، سنغوص في المشاعر التي قد تشغل بالك، سنجيب على بعض الأسئلة الأكثر شيوعًا حول التغيرات الجسدية التي تحدث في فترة البلوغ. ونتعلم كيف نتعامل مع هذه التغيرات بابتسامة وثقة! …
فلنبدأ رحلتنا في اكتشاف هذه المشاعر والتغيرات!
أسئلة شائعة حول تغيرات البلوغ الجسدية وأثرها النفسي والسلوكي
كيف يكون التعامل مع المشاعر المضطربة ؟ “أشعر أنني غريبة عن نفسي!”
التغيرات الهرمونية قد تجعلكِ تبكين فجأة أو تغضبين دون سبب، جرّبي أن تكتبي مشاعركِ في دفتر، أو ارسميها بألوان تعبّر عن حالتك، وتحدثي مع شخص تثقين به : أمكِ، أختكِ الكبرى، أو مرشدة مدرسية… مشاركة المشاعر تُخفف نصف العبء، قولي لهم “أشعر بالحرج من شكل جسدي الجديد، هل مررتِ بهذا؟“، وستجدين أنكِ لستِ وحدك .
لماذا أبدو مختلفة عن صديقاتي !؟
لكل جسد سرعته في النمو، فلا تقارني نفسك بمن حولكِ، فإن ذلك سيؤثر على حالتك النفسية بصورة سلبية، فكل فتاة فريدة وجميلة وتمر بمسارها الخاص، وما يناسب صديقتك قد لا يناسبك فتقبلي جسدكِ كما هو، وتذكري أن الجمال الحقيقي ينبع من الداخل. وليكن تركيزك على نقاط قوتك، وما تمتلكينه (مثال : أنا ماهرة في الرسم). واعلمي أن عدم تقبل الذات إما أن يؤدي إلى السلوكيات السلبية أو قد يسبب ضعف الشخصية والرهاب الاجتماعي، ولكي تتقبلي ذاتك عليكِ أن تتوقفي عن النقد واللوم والمقارنة وأن تحبي نفسك على حالها وتكوني أعز صديق لها .
لماذا أشعر بهذا التوتر !؟
افهمي المشاعر الخفية وراء التغيرات، إذا كان من مشاعرك “أكره المرآة!”
هذا نوع من صراع الجسم والصورة الذاتية : قد تشعرين أن جسدكِ “غريب“ أو “غير متناسق“، خاصة إذا نما الثديان بسرعة، أو تغير شكل الوركين، أو ظهرت البثور. وتفسير ذلك أن عقلكِ يربط التغيرات الجسدية بفقدان السيطرة على حياتك، مما يولد القلق لكن كيف تتعاملين مع هذا الشعور ؟
- غيري السيناريو : بدلًا من انتقاد جسدك، اجعلي في كل ليلة وقتًا لشكر الله على نعمة الصحة والعافية.
- اختاري ملابس تُشعركِ بالقوة : لا ترتدي ما يعجب الآخرين، بل ما يجعلكِ تقفين بثقة .
- ابحثي عن قدوات حقيقية : مثل كاتبة ملهمة أو عالمة أو معلمة مميزة أو أي شخصية ذات أثر، ركزي على إنجازاتها لا مظهرها .
هل أنا طفلة أم كبيرة!
في حوار مع الذات حول الهوية، قد تشعرين أنكِ تقفين على جسر بين الطفولة والرشد، حيث تتسارع التغيرات الجسدية أحيانًا قبل أن تستوعبها نفسك وعقلك، فعندما تنظرين إلى المرآة وقد تغير شكل جسمك، أو تسمعين تعليقات مثل “كبرتي!”، قد تشعرين بحيرة وخجل من تغيرات جسدك المفاجئة : “أحقًا أصبحتُ ناضجة ؟ أم أن مشاعري مازالت طفولية ؟“ ، “هل أنا جاهزة لتحمل مسؤوليات الكبار ؟“.
هذا الصراع طبيعي تمامًا، حيث أن المنطقة في الدماغ – المسؤولة عن اتخاذ القرارات وضبط النفس – مازالت في طور النمو وتستمر في التطور حتى منتصف العشرينات!
فكيف تتعاملين مع هذا التناقض بين المظهر الخارجي “الكبير“ والمشاعر الداخلية “الطفولية“ ؟
- حاوري نفسك بلطف : قولي : “أنا في مرحلة انتقالية، وليس عليّ أن أكون مثالية في كل شيء“.
- اطلبي مساحة للاستقلالية : شاركي والديكِ رغبتكِ في تحمل مسؤوليات صغيرة (كالاختيار بين نشاطين مدرسيين، أو تنظيم جدولك اليومي). وفقًا لدراسات في علم نفس النمو، فإن المهام البسيطة تُعزز ثقة المراهق بنفسه .
هوس المثالية : “هل جسدي مقبول ؟“
وذلك بسبب تعرض الفتيات لصور غير واقعية على وسائل التواصل تُرَّوج لجسد مثالي، مما يزيد إفراز الدوبامين (هرمون السعادة) عند المقارنة، ويُشعل الرغبة في تحقيق الكمال، وبالتالي تتأثر بصورة سلبية نفسياً وسلوكياً، فيسيطر عليها قلق دائم من النقد، أو انخفاض الثقة بالنفس، أو محاولات غير صحية لتغيير المظهر (كالحِميَات القاسية) .
الحساسية المفرطة اتجاه النقد : “ماذا سيفكرون بي ؟“
هل لاحظتِ أنكِ أصبحتِ حساسة اتجاه التعليقات على مظهرك أو تصرفاتك ؟ هذا بسبب نشاط لوزة الدماغ (مركز الخوف والعواطف) الذي يبلغ ذروته في المراهقة، مما يجعلكِ تبالغين في تفسير آراء الآخرين وتتجنبين المواقف الاجتماعيّة، فمن خصائص هذه المرحلة أن المراهقون غالبًا يظنون أن العالم يركز عليهم كما يركزون على أنفسهم (وكأنه مراقب أو محور الكون).
ولكن كيف يمكن التعامل مع الحساسية الزائدة ؟
- بالحوار الداخلي الإيجابي حوّلي السلبيات إلى إيجابيات، مثال : إذا ظهر شعر في مناطق جديدة، فكري : هذا دليل على أن هرموناتي تعمل بشكل صحي، ويمكنني إزالته لو أردت ، جسدي يتغير لأنني أنمو، وهذا طبيعي .
- لا أستطيع التحكم في تعليقات الآخرين، لكنني أتحكم في ردة فعلي .
- فهم علم الدماغ : معرفة أن الحساسية تجاه الآراء مرتبطة بمرحلة نمو الدماغ، وستهدأ مع الوقت .
- مارسي التمرين الذهني : كلما انزعجتِ من رأي، اسألي نفسك : هل هذا الشخص مثالي ؟ وهل رأيه يعكس حقيقتي ؟.
- وعند الحاجة للمساعدة لا تترددي في التحدث مع مرشد نفسي .
أدوات نفسية لتحويل القلق إلى قوة
- اكتبي كل يوم إنجازًا صغيرًا (مثل : تحدثت مع أمي عن خوفي، أو جربت تسريحة جديدة).
- قفي أمام المرآة كل يوم، وانتقي ٣ أشياء تحبينها في نفسك (لا علاقة لها بالمظهر!). مثال : أحب ذكائي في الرياضيات، أو أحب صوتي حين أضحك .
- اشتري دفترًا جميلًا، واكتبي فيه كل ليلة إنجاز اليوم : (مثال : تحدثت مع صديقة عن خوفي من البلوغ)، واكتبي أشعر بالامتنان لأن …. : (مثال : لديّ أم تستمع لي) ، ودوني كل ما يقلقك (مثل : أخاف من تعليقات زملائي على صوتي الجديد). ثم اكتبي بجانبه ردًّا إيجابيًا (مثال : صوتي يتغير لأنني أكبر، وهذا طبيعي).
- أن يكون معك مجموعة صغيرة ممن يدعمونك ويقدرونك من صديقاتك أو قريباتك اللواتي تشعرين معهن بالأمان .
ماذا تفعلون معًا!؟ تبادلوا التجارب، اضحكوا على المواقف المحرجة، وخططوا لأنشطة تُذكركم بأنكن أكثر من مجرد أجساد (مثل التطوع في عمل خيري).
- تعاملي مع التغيرات كـ “مغامرة اكتشاف“ وتعّرفي على جسدك : اقرئي كتبًا أو شاهدي فيديوهات مصادرها موثوقة تشرح مراحل البلوغ، فـالمعرفة تُزيل الغموض والخوف والقلق، واحرصي على متابعة قنوات طبية موثوقة على اليوتيوب مُوجهة للمراهقات .
- أحيطيي نفسك بصديقات إيجابيات : يشجعنكِ ويُذكرنكِ بصفاتكِ الرائعة (مثل : وفائك، حس الفكاهة عندك، سرعة بديهتك، ابتسامتك)
- مارسي هواياتكِ المفضلة : ابحثي عن الأنشطة التي تجعلك تشعرين بالسعادة، مثل ممارسة الرياضة، الرسم، أو حتى الكتابة، أو أي نشاط يُذكرك بأنك (أكثر من مجرد جسد)، فهذه الأنشطة تساعدك في التعبير عن مشاعرك وتخفيف التوتر .
- تذكري أن التغيرات مؤقتة : البلوغ مرحلة عابرة، وستستقر التغيرات مع الوقت، وكل فتاة تمر بنفس ما تمرين به، حتى تلك التي تبدو “مثالية“!
- تجاهل التعليقات السلبية : لا تسمحي للتعليقات السلبية من الآخرين بالتأثير على ثقتك بنفسك. تذكري أن آراء الآخرين لا تعكس حقيقتك .
- التعامل مع المتنمرين بحزم : إذا تعرضتِ للتنمر، لا تترددي في طلب المساعدة من شخص بالغ تثقين به. يمكنكِ أيضاً تعلم بعض التقنيات للتعامل مع المتنمرين، مثل التجاهل، أو الرد بحزم .
- ركزي على الأمور التي يمكنكِ التحكم بها، مثل أفكاركِ وسلوكياتكِ، وتجاهلي الأمور التي لا يمكنكِ التحكم بها، مثل آراء الآخرين .
- تحديد الأهداف الشخصية يمكن أن يساعدك في التركيز على ما تريدين تحقيقه بدلاً من الانشغال بالتغيرات التي تمرين بها. اعملي على وضع أهداف صغيرة وقابلة للتحقيق، واحتفلي بكل إنجاز تحرزينه .
- التعلم من التجارب، اعتبري أن كل تجربة تمرين بها، سواء كانت إيجابية أو سلبية، هي فرصة للتعلم والنمو. حاولي استخدام التحديات التي تواجهينها كوسيلة لتعزيز قوتك الشخصية .
- تطوير مهارات جديدة : استثمري في نفسك من خلال تعلم مهارات جديدة أو الانخراط في أنشطة تحبينها. فتحسين مهاراتك يمكن أن يعزز من ثقتك بنفسك .
- اجعلي من روتينك اليومي استخدام التأكيدات الإيجابية لتعزيز ثقتك بنفسك وتحسين المزاج، قولي لنفسك عبارات مثل “أنا جميلة كما أنا“ أو “أنا فريدة ولدي ما يميزني” ، “أحب نفسي وأقبل عيوبي“ ، “أستحق الحب والاحترام“.
- ممارسة تقنيات الاسترخاء : مثل اليوغا، التأمل، أو التنفس العميق يمكن أن يساعدك في تخفيف التوتر والقلق، خصصي بعض الوقت يومياً لممارسة هذه التقنيات، وستلاحظين تحسنًا في صحتك النفسية .
طريقة تطبيق تمرين التنفس (4-7-8) للسيطرة على القلق والتوتر :
- شهيق من الأنف لمدة 4 ثوانٍ .
- احبسي النفس 7 ثوانٍ .
- زفير من الفم لمدة 8 ثوانٍ .
كرريه 3 مرات عند الشعور بالتوتر .
تذكري أن كل فتاة تمر بهذه المرحلة بصعوباتها وأسئلتها، حتى تلك التي تظهر على السوشيال ميديا بابتسامة مثالية .
لا تُرهقي نفسك بمحاولة التحكم في كل شيء، فالجمال الحقيقي يكمن في تقبُّل التغيرات بفضولٍ وليس بخوف، التغيرات الجسدية ليست تحديًّا جسديًّا فحسب، بل هي رحلة نفسية لتقبل الذات. الأهم ليس كيف يبدو الجسد، بل كيف تنظرين إليه!
المراجع :
كتاب علم نفس النمو (الطفولة والمراهقة) للدكتور حامد زهران
رحلة نحو الذات للأخصائية النفسية نورة الصفيري

اترك تعليقاً