اعلمي أن فترة المراهقة قد تكون مليئة بالتغيرات والأسئلة، وأحياناً ببعض التحديات التي تخص نظرتنا لأنفسنا. لكن تذكري دائماً أنكِ كنزٌ لا يُقدر بثمن، وأن ثقتك بنفسك هي مفتاحكِ لتحقيق كل ما تحلمين به. هيا بنا نتعمق سوياً في هذا الموضوع المهم بطريقة بسيطة وقريبة لقلبك لنتعرف على معنى الثقة بالنفس ولماذا هي مهمة ؟ ماهي مفاتيحها ؟ وما المقصود بمعرفة الذات وما أهميتها ؟
تخيلي أن الثقة بالنفس هي ذلك الشعور الداخلي القوي الذي يخبركِ بأنكِ قادرة، ومميزة، وأن لكِ قيمة تستحقين بها كل خير . إنها الإيمان بقدراتك، وتقبلكِ لشخصكِ كما أنتِ، بعيوبكِ ومميزاتك. الثقة بالنفس ليست غروراً، بل هي شعور بالراحة مع الذات والاطمئنان الداخلي .
ما المفتاحان الأساسيان للشعور بالتقدير الذاتي ومن ثم الثقة بالنفس ؟
- معرفة الذات .
- حب الذات وتقبلها .
فماذا نعني بمعرفة الذات ؟
هو أن يكون لديك وعي بذاتك، وهذا يعني :
- احترامك لحقيقتك أو واقعك، فلا تنكريه ولا تهربي منه، وإن كانت الحقائق مؤلمة، فتقبُّلها والاعتراف بها أول خطوة نحو التخلص من قوة سيطرتها عليكِ .
- ابحثي عن تقييم دقيق لذاتك، واسعي إلى اكتشاف أعماق نفسك عن طريق التأمل والبحث .
- تخلصي من أفكارك ومعتقداتك الزائفة عن ذاتك وقدراتك وحياتك، فالواعي ليس لديه معتقدات زائفة .
- كوني ذات عقلية منفتحة للمعرفة الجديدة وتقييمات الآخرين وآرائهم .
لماذا تعد معرفة الذات مهمة ؟
- إن الإنسان لا يحب إلا ما يعرفه، لهذا أول خطوة لتحقيق محبة الذات هي معرفتها، وذلك يعنى أن تتَّصلي بجوهرك، وأن تفهمي ما يجعل قلبك سعيد، وما يُسبب له البهجة والفرح، وما يغضبك، وما المواقف المناسبة لك وغير المناسبة، وقدرتك على التحمل والتأقلم مع البيئات والشخصيات المختلفة، والمقصود بذلك أيضا قدرتك على أن تُطوِّعي ذاتك مع أسلوب الحياة الذي ترغبينه بدلاً من اتباع طرق عديدة لا تؤدي إلى نتيجة جيدة .
- معرفتك لذاتك تساعدك على أن تستغلي وقتك استغلالاً أكثر فعالية، فتقومي بالأشياء التي تريدينها وتسعي دائما لتحقيق أهدافك وطموحاتك الذاتية، فلا مجاملة للآخرين ولا تسويف ولا تأجيل .
- وتساعدك على أن تحمي نفسك عندما تعرفين نقاط ضعفك وتتقبلينها وتعترفين بها، فلا تضعي نفسك في مواقف لا تناسبك ولا تُحمِّلي نفسك فوق طاقتها من أجل الآخرين لإعتقادك أنه يجب أن تكوني كاملة بدون نقاط ضعف أو نقص، وبالطبع لا يوجد بشر كاملين بدون نقص .
- وكوني واضحة بنقاط قوتك، وبشأن الطريقة التي يراكِ بها الآخرون، فتعرفي ما يميزك .
أول خطوات معرفة الذات هو ..
أن تبدئي بالتعرف على ذاتك، من أنا ؟
هذا السؤال السهل والصعب في جوابه .. لأننا نعتقد أنّ «أنا» المقصود بها : (اسمي أو لقبي أو أصلي وفصلي أو حالتي الاجتماعية أو أدواري في الحياة) وهذا ليس أنتي بل أدوار تلعبينها بالحياة تتغير وتتبدل أو حتى أحيانا تنتهي .
تمرين «من أنا».. ( أنا .. من أكون؟ )
أكملي جملة “أنا……..… ” أكبر عدد من المرات، حاولي الإجابة عنها بأول ما يطرأ على بالك، واستمري في الكتابة دون التفات هل جوابك هذا سلبي أم إيجابي صحيح أم خاطئ، واقعي أم غير واقعي، ولا تكتبي إذا كنت غاضبة – مجهدة – حزينة .
الآن أعيدى قراءة ما كتبتِ ببطء بصوت عالي وتأملي مفرداته ؟ لاحظى أي العبارات تسبب لكِ الشعور بالألم أو الضيق أو الخزي أو أي مشاعر سلبية ؟ ضعى عليها دائرة فهذا ما تحتاجين العمل عليه لبناء صورة إيجابية واقعية عن ذاتك. ويمكنك إذا أردت أن تريها القليل من الأشخاص الثقات والقريبين منك وناقشيها معهم وإذا ماكانوا يتفقون مع قائمتك أو لا، وسجلي الاختلافات، على سبيل المثال قد تكوني قد كتبتِ (أنا خجولة) وقد يندهش بعض الناس لقراءة ذلك ولا يتفقون معكِ .
وكل مرة تقومين بأداء هذا التمرين ستتعلمين شيئاً جديداً عن نفسك وتصبحين واعية بالقدر الذي تغيرتِ به منذ المرة الأخيرة لقيامك بذلك .
تجربة واقعية
هناك تجربة جميلة قامت بها شركة دوف لتوضح الفرق بين كيف نرى أنفسنا وكيف يرانا الآخرين .. حيث اقتضت التجربة إحضار مجموعة من النساء ليتعرفن على مجموعة أخرى مكونة من نساء يلتقون لأول مرة … حيث قسمت المجموعة إلى مجموعات من شخصين قضوا بعض الوقت سوياً في الحديث، ثم طلب من النساء واحدة تلو الأخرى الجلوس حيث توجد ستارة يجلس خلفها رسام محترف متخصص برسم الوجوه بدقة عن طريق الوصف .
وطلبوا من كل واحدة من النسوة وصف نفسها للرسام (شعرها – عيونها – ذقنها – إلخ) ليتمكن من رسم وجهها بدقة .. بعد مغادرتها للغرفة يتم استدعاء الشخص الغريب الذي تعرف عليها للتو والطلب منه القيام بنفس الأمر وهو وصف نفس تلك المرأة للرسام كما يراها هو. وفي نهاية التجربة وبعد رسم جميع النساء رسمة كما يرين أنفسهن والرسمة الأخرى كما يراهن الآخرون تم تقديم هاتين الرسمتين للمرأة كي ترى الفرق الكبير بين كيف ترى نفسها هي وكيف يراها الآخرون ..
إليكم رابط التجربة على اليوتوب
هناك فرقا بين حقيقتك، ورؤيتك لنفسك، مع العلم أن من يعانون من ضعف الثقة بالنفس .. تكون فكرتهم عن أنفسهم لا تمثل حقيقتهم، بل تكون مشوّهه، يُضخِّمون الأخطاء ويركزون على العيوب، ويكونون مُبَرمَجين من قِبل الآخرين، فيما يخص من نحن .. وكيف نحن، وما نستطيع وما لا نستطيع فعله وقدراتنا، وما نستحق وما لا نستحق، ومظهرنا الجسدي وكيف يرانا الآخرون… إلخ؟ فليس من المستغرب بالنسبة لي أن أسمع فتاة شديدة الجمال تتحدث عن مدى بشاعتها أو فتاة ناجحة ومميزة تتحدث بإسهاب عن ضعفها وفشلها حتى أني بأوقات كثيرة أتساءل بصوتٍ عالٍ هل نحن فعلاً نتحدث عن الشخص نفسه ؟!!!..
اكتشفي ذاتك (من أكون؟ )
اخترقي منطقة التظاهر والتشبه بالشخص الذي تريدين أن تكوني واتجهي إلى مخاوفك وقلقك وشكوكك وما تعتقدين أنه أنتِ، واعترفي بها وتقبليها تماماً دون إنكار أو مقاومة أو كبت لما أنتِ عليه بالوقت الراهن، واكتشفي حقيقة تلك الجوهرة المدفونة بداخلك، وعندما تصلين لمعرفة ذاتك الحقيقية وتتقبليها كما هي ستشعرين بالسلام الداخلي والنور والجمال يشع من داخلك .
رسالة أخيرة
بادري بتغيير حياتك إلى الأفضل، ولا تنتظري من شخص آخر أن يفعل ذلك من أجلك .
وتذكري دائماً أن ثقتك بنفسك هي قوتك وسلاحك في مواجهة تحديات الحياة. استثمري في نفسكِ، كوني لطيفة معها، واعلمي أنكِ تستحقين كل الحب والاحترام والتقدير ، انطلقي بثقة وفخر ، فالعالم يحتاجك وينتظر إبداعكِ وتميزك!
وللحديث بقية :
في الجزء القادم من السلسلة سنتعرف على ..
- مامدى صحة العبارة (المرء يصبح ما يفكر فيه معظم الوقت)
- كيف أصل إلى قبول الذات ؟
- ما علاقة حديثك وصوتك الداخلي بصورتك الذاتيه ؟
- ماهي صفات صاحب النظرة الدونيه ؟ وكيف يتخلص منها ؟
- ما الذي يُضعف ثقتكِ ؟ (الأسباب الخفية)
- كيف تبنيين ثقة لا تتزعزع وتقدير عالي للذات ؟ (خطوات عملية)
- وسنركز على التمارين والمهام الملموسة والعملية
المرجع :
كتاب رحلة نحو الذات للاخصائية النفسية نورة الصفيري

اترك تعليقاً